التراث جذور الحضاره وجسر الاجيال
بقلم : محمد الصيعري ابو عامر
التراث هو الذاكرة الحية للأمم، والشاهد الأمين على إبداعات الأجداد وتضحياتهم. إنه ليس مجرد حجارة أو عادات، بل هو روح تحمل قيمًا وفنونًا ومعارفًا تشكّل هوية الشعوب وتُغني حاضرها بماضٍ عريق. من القلاع الشامخة إلى الأغاني الشعبية، ومن الحرف اليدوية إلى الروايات المتناقلة، يظل التراث خيطًا نسيجيًّا يربط الماضي بالحاضر، ويبني جسورًا نحو المستقبل.
1. ما هو التراث؟
التراث هو الإرث المادي والمعنوي الذي تتناقله الأجيال، ويشمل كل ما خلّفه السلف من علوم وفنون وعمارة وتقاليد. يُعرَّف بأنه “مجموعة العناصر ذات القيمة التاريخية أو الثقافية أو الطبيعية التي تُورث عبر الزمن” . ينقسم إلى ثلاثة أنواع رئيسية:
– التراث المادي: كالمباني الأثرية (مثل قصر شبرا في السعودية) وقصر العين في الامارات وقلاع وحصون مدينة العين في الامارات ، والقطع الفنية، والمخطوطات.
– التراث غير المادي: كالعادات (كفنون الصيد بالصقور)، والحرف اليدوية (كالنسيج والسدو) ، والأغاني الشعبية.
– التراث الطبيعي: كالواحات (مثل واحات العين في الإمارات) ، والجبال، والمحميات البيئية.
2. التراث العربي: تنوعٌ يجمع
تزخر الدول العربية بتراث غني يعكس تنوع الحضارات التي تعاقبت على أراضيها:
– *في السعودية*: مواقع كـ”الحجر” (مدائن صالح) المُسجَّل في اليونسكو، وحي الطريف بالدرعية الذي يعكس تاريخ الدولة السعودية الأولى .
– *في الإمارات*: متحف اللوفر أبوظبي الذي يجسّد الانفتاح على الحضارات العالمية، وقرى تراثية كقرية أبوظبي التي تعرض الحياة التقليدية .
في المغرب: المدن العتيقة كفاس ومراكش، والتي تُعدّ نماذج حية للعمارة الإسلامية .
3. أهمية التراث: أكثر من مجرد ذكريات
الهوية والانتماء: يُشكّل التراث جزءًا أساسيًّا من الهوية الوطنية، كما في المهرجانات كـ”مهرجان قصر الحصن” بالإمارات الذي يعزز الفخر بالثقافة المحلية .
دعم الاقتصاد: يساهم في جذب السياحة، مثل مواقع البتراء في الأردن أو الأهرامات في مصر، حيث تُدرّ عوائد اقتصادية ضخمة. تشير الدراسات إلى أن السياحة التراثية تُسهم بنسبة كبيرة في الناتج المحلي للدول .
الإلهام العلمي: استُوحيت تقنيات حديثة من هندسة القلاع القديمة، كما تُدرس مخطوطات ابن سينا في الجامعات العالمية .
4. التحديات: بين الترميم والاندثار
تواجه المواقع التراثية تهديدات متعددة، منها:
التوسع العمراني: الذي قد يُهدد المواقع الأثرية، كما حدث في بعض المناطق التاريخية.
– النسيان المجتمعي: اندثار الحرف اليدوية بسبب عزوف الشباب عن تعلمها.
– الكوارث الطبيعية: كالزلازل التي تضررت منها مواقع .
لكن الجهود العربية لمواجهة هذه التحديات ملحوظة، مثل إنشاء “هيئة التراث” في السعودية والامارات والجزيره كافه التي تعمل على توثيق المواقع وإصلاحها .
5. الحفاظ على التراث: مسؤولية مشتركة
تعتمد حماية التراث على استراتيجيات متكاملة:
– التوثيق الرقمي: كالمسح الشامل للمواقع الأثرية وإنشاء السجلات الوطنية، كما في “السجل الوطني للتراث
– *التوعية المجتمعية*: عبر المتاحف التفاعلية والمدارس، كـ”متحف الشارقة للحضارة الإسلامية” الذي يعرض تاريخ العلوم الإسلامية .
– الشراكات الدولية: كتسجيل المواقع في قوائم اليونسكو، مما يضمن حمايتها دوليًّا، كموقع “الفنون الصخرية في حائل” السعودية .
الخاتمة: تراثنا.. مستقبلنا
التراث ليس ماضٍ يُحنّ إليه، بل مستقبل يُبنى بوعي. كما قال الشيخ زايد ( من ليس له ماضي ليس له حاضر ) وكما قال الشاعر: “الأمم تبني بماضٍ تُخلّده”. إن الحفاظ عليه مسؤولية أخلاقية وحضارية، ففيه تكمن أسرار الإبداع البشري وقدرته على الصمود. لنعمل معًا على أن تظل أوابدنا شواهدَ حية، تُلهِم الأجيال وتُحيي فيهم روح الانتماء، كما تفعل قلعة تبوك أو مسجد البدية في الإمارات، اللذين يقفان كصفحات مفتوحة من كتاب التاريخ .