الخليج اليوم

بوتين يزور كورسك للمرة الأولى منذ تحريرها.. رسالة قوية من قلب الحدود الروسية الأوكرانية

في خطوة رمزية تحمل أبعادًا عسكرية وجيوسياسية عميقة، بوتين يزور كورسك للمرة الأولى منذ إعلان الجيش الروسي، بدعم من كوريا الشمالية، استعادة السيطرة الكاملة عليها.

الزيارة تأتي بعد 264 يومًا من المواجهات الشرسة، وتشير إلى محاولة الكرملين ترسيخ مكاسب ميدانية وتحويلها إلى رسائل استراتيجية موجهة للداخل والخارج.

 من المفاجأة الأوكرانية إلى الرد الروسي

في 6 أغسطس 2024، فجّرت أوكرانيا مفاجأة عسكرية عندما اجتاحت قواتها منطقة كورسك الحدودية، وسيطرت على ما يقرب من 1376 كم²، تضم أكثر من 100 بلدة وقرية، الهجوم اعتُبر الأكبر منذ بدء الحرب، وتمركز على حدود منطقة سومي الأوكرانية.

رد موسكو لم يتأخر، حيث أطلقت عملية مضادة استمرت قرابة تسعة أشهر، استعادت فيها السيطرة على الغالبية العظمى من الأراضي التي فُقدت، وذلك بمشاركة مباشرة من وحدات كورية شمالية نُشرت خصيصًا لهذا المحور.

تفاصيل زيارة بوتين إلى كورسك

عندما بدأ بوتين يزور كورسك التقى الرئيس الروسي بمجموعة من المتطوعين داخل ملجأ إنساني، وزار محطة “كورسك 2” النووية، التي تُعد من أبرز المنشآت الاستراتيجية في المنطقة.

حضر اللقاء كل من القائم بأعمال حاكم كورسك ألكسندر خينشتاين، والنائب الأول لرئيس الإدارة الرئاسية سيرجي كيريينكو، في إشارة إلى الأهمية السياسية التي توليها موسكو للمنطقة.

“بوتين يزور كورسك” في هذا التوقيت يبعث برسالة مفادها أن المعارك لم تعد على أطراف روسيا، بل أُعيد فرض السيادة الفعلية على الأرض.

كوريا الشمالية.. الحليف العسكري غير التقليدي

من أبرز ملامح معركة كورسك الأخيرة، كان الدور المباشر لكوريا الشمالية. فقد دفعت بيونغ يانغ بنحو 15 ألف جندي، شاركوا ميدانيًا في العمليات القتالية إلى جانب الجيش الروسي.

ووفقًا لاستخبارات كوريا الجنوبية، فقد لقي ما لا يقل عن 600 جندي كوري شمالي مصرعهم أثناء المعارك، في واحدة من أكبر المشاركات العسكرية المباشرة لكوريا الشمالية خارج حدودها منذ عقود.

توفير كميات كبيرة من ذخائر المدفعية والصواريخ ساعد بشكل حاسم في صد التوغلات الأوكرانية، وجعل محور كورسك يشهد حالة توازن ميداني للمرة الأولى منذ أشهر.

المواقف الروسية الرسمية من استهداف النصب التذكارية

خلال اللقاء، تحدث بوتين بشدة عن ما وصفه بـ”الهمجية الأوكرانية” في التعامل مع النصب التذكارية المرتبطة بالحرب العالمية الثانية. قال إن تدمير هذه المعالم التاريخية يكشف عن “طبيعة النازية الجديدة”، مؤكدًا أن الحرب لم تعد فقط على الأرض، بل على الرموز والذاكرة الجماعية.

أحد المتطوعين أشار إلى أن الهجمات بالطائرات المسيّرة الأوكرانية تزداد كثافة كلما تواجد المتطوعون في مواقع تحمل رمزية تاريخية.

الرسائل الاستراتيجية للداخل والخارج

زيارة بوتين إلى كورسك لا يمكن فصلها عن التوقيت السياسي والدولي الراهن، فهي تأتي بالتزامن مع تكثيف الدعم الغربي لأوكرانيا، وتصاعد الانتقادات الغربية لتعاون موسكو مع بيونغ يانغ.

الزيارة تقدم رسائل عدة:

  • تأكيد قدرة موسكو على استعادة زمام المبادرة ميدانيًا.
  • إظهار عمق التحالف مع كوريا الشمالية كحليف غير غربي في المعادلة.
  • مخاطبة الداخل الروسي بوصف النصر في كورسك بأنه “رمزي وتاريخي”.

مستقبل منطقة كورسك بعد التحرير

بعد تحريرها، تسعى موسكو إلى تحويل كورسك إلى منطقة عسكرية استراتيجية مُحصّنة. وتشير تقارير إلى احتمالية نشر منظومات دفاعية متقدمة، وبناء قواعد إمداد لوجستي على مقربة من الحدود.

في الوقت نفسه، بدأت برامج إعادة الإعمار، ويُنتظر إطلاق خطط تنموية خلال الأشهر المقبلة لتثبيت الاستقرار كما تسعى الحكومة المحلية، بدعم مباشر من الكرملين، إلى إعادة سكان القرى المتضررة تدريجيًا.

دوافع كوريا الشمالية للمشاركة في المعركة

قرار كوريا الشمالية بالمشاركة المباشرة في معركة كورسك إلى جانب روسيا لم يكن مجرد دعم رمزي، بل كان تحركًا استراتيجيًا يحمل عدة أبعاد. من منظور بيونغ يانغ، فإن المشاركة الميدانية في صراع جيوسياسي بهذا الحجم يُظهر تحالفها الفعلي مع موسكو، ويمنحها فرصة لإعادة التموضع على خريطة النفوذ العالمي.

القيادة الكورية الشمالية، التي تواجه عزلة دولية منذ سنوات، وجدت في دعم روسيا منصة لتأكيد وجودها العسكري الفعّال، وتوجيه رسالة تحدٍ لكل من واشنطن وسيول.

الشكل العسكري للمشاركة الكورية

كوريا الشمالية دفعت بما لا يقل عن 15 ألف جندي إلى ساحة المعركة، بينهم وحدات مختارة من قوات المدفعية والقوات الخاصة. وقد تمركزت هذه الوحدات في مناطق جغرافية محددة داخل كورسك، كانت تُعتبر نقاط اشتباك رئيسية مع القوات الأوكرانية.

بالإضافة إلى العنصر البشري، زودت بيونغ يانغ الجيش الروسي بكميات ضخمة من الذخائر الثقيلة، وصواريخ قصيرة المدى، وقذائف مدفعية تقليدية، مما ساهم في سد النقص الذي عانت منه موسكو في مراحل معينة من المعركة.

حجم الخسائر الكورية في الميدان

وفقًا لتقديرات أجهزة الاستخبارات في كوريا الجنوبية وتقارير لمراكز دراسات أمنية دولية، بلغ عدد القتلى الكوريين الشماليين في معركة كورسك نحو 600 جندي. ويُعتقد أن غالبية الضحايا كانوا من وحدات المدفعية التي واجهت نيرانًا مركّزة من الطائرات المسيّرة الأوكرانية.

كما رصدت صور الأقمار الصناعية عمليات نقل جماعية للجثامين إلى داخل الأراضي الروسية، تمهيدًا لترحيلها إلى كوريا الشمالية. ولم تعلن بيونغ يانغ رسميًا عن أي تفاصيل تخص الخسائر، واكتفت بوصف العملية بـ”الواجب الأخوي”.

رد الفعل الدولي على مشاركة بيونغ يانغ

قوبلت مشاركة كوريا الشمالية في معركة كورسك بانتقادات حادة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، اللذين اعتبرا الخطوة تصعيدًا خطيرًا يهدد بتوسيع رقعة الحرب.

كما أعربت اليابان وكوريا الجنوبية عن قلقهما البالغ، واعتبرتا أن نشر قوات كورية خارج الحدود يشكل سابقة تهدد التوازن العسكري في شرق آسيا، وقد يفتح الباب لتدخلات مستقبلية في مناطق صراع أخرى.

الموقف الكوري الشمالي الرسمي

الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، برر المشاركة العسكرية بأنها “رد طبيعي على تهديدات الناتو وأمريكا ضد روسيا”، وأكد أن بلاده تمارس حقها السيادي في دعم الحلفاء والدفاع عن مصالحهم.

في خطاب متلفز نادر، وصف الجنود الكوريين المشاركين بأنهم “جنود الشرف”، وأعلن منحهم أوسمة الدولة العليا. كما أعلن أن بلاده ستواصل دعمها العسكري لروسيا طالما استمرت “المواجهة مع قوى الاستعمار الغربي”.

انعكاسات المعركة على العلاقة بين موسكو وبيونغ يانغ

معركة كورسك مثلت نقطة تحول في طبيعة العلاقات بين روسيا وكوريا الشمالية، فبعد سنوات من التعاون المحدود، انتقلت العلاقة إلى مستوى التحالف العسكري الفعلي.

يتوقع مراقبون أن تتعزز العلاقات بعد هذه المشاركة، وربما تشمل صفقات تسليح متقدمة، أو دعمًا روسيًا لبرنامج كوريا الشمالية النووي في المحافل الدولية، ما يثير قلقًا متزايدًا لدى القوى الغربية.

 

اقرأ ايضاً: وظائف صندوق الموارد البشرية 2025.. 143 ألف مواطن يحصلون على فرص عمل في 90 يومًا

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!