مشروع مسام لنزع الألغام يحرر اليمن من الخوف: السعودية تزيل نصف مليون لغم وتعيد الحياة للملايين
وسط واحدة من أعقد الأزمات الإنسانية في العصر الحديث، تقف المملكة العربية السعودية شامخةً في ميادين العطاء، عبر “مشروع مسام لنزع الألغام”، المبادرة الإنسانية التي رسمت طريق النجاة لملايين اليمنيين الذين عانوا من خطر الألغام المزروعة في مناطقهم السكنية والزراعية.
منذ انطلاقه عام 2018، يعمل مشروع مسام بتوجيه ودعم من مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، كأحد أضخم المشاريع المتخصصة في إزالة الألغام بالعالم، ليس فقط من حيث الإمكانيات التقنية والفنية، بل من حيث الأثر العميق الذي يحدثه في إعادة الحياة إلى مناطق كانت مصنفة مناطق موت.
نصف مليون لغم تم تفكيكه
بلغ إجمالي ما تم تفكيكه حتى مايو 2025 أكثر من 497,500 لغم وعبوة ناسفة وذخيرة غير منفجرة، وفق ما أعلنه مدير عام المشروع المهندس أسامة القصيبي. وتشمل هذه الحصيلة:
النوع | العدد |
---|---|
ذخائر غير منفجرة | 335,947 |
ألغام مضادة للدبابات | 146,567 |
ألغام مضادة للأفراد | 6,801 |
عبوات ناسفة | 8,235 |
والمثير أن المشروع قام حتى الآن بتطهير أكثر من 67.4 مليون متر مربع من الأراضي اليمنية، ما يعكس حجم الكارثة التي كانت تهدد السكان.
خريطة العمل الجغرافي والانتشار الميداني
يعمل مشروع مسام في أكثر المناطق تأثرًا بالانفجارات والألغام، بما يشمل محافظات: تعز، مأرب، الجوف، الحديدة، شبوة، صعدة، والبيضاء. يتم اختيار المناطق بناءً على بلاغات السكان، بالتنسيق مع الجهات اليمنية الرسمية، ووفقًا للأولويات الإنسانية.
كل منطقة تُعامل باعتبارها مشروعًا منفصلًا، حيث تبدأ فرق المسح بتقييم التهديد، يليها تحديد المناطق الخطرة ثم عمليات الإزالة الدقيقة باستخدام أحدث المعدات.
كيف غيّر المشروع الواقع على الأرض؟
كان لنجاح مشروع مسام انعكاس مباشر على حياة المدنيين، لا سيما:
- عودة آلاف الأسر المهجّرة إلى قراها.
- استئناف الزراعة والرعي في مناطق كانت ملغّمة.
- تأمين الطرق الحيوية لنقل البضائع والمساعدات الإنسانية.
- تقليل أعداد الإصابات والوفيات الناتجة عن الانفجارات العشوائية.
وأكد سكان مناطق عدة أن المشروع أعاد إليهم الأمان الذي افتقدوه لسنوات، خاصة مع سرعة الاستجابة من الفرق الميدانية لأي بلاغات تصلهم، حتى في المناطق الوعرة أو النائية.
اقرأ ايضاً: الصدمة تهز الشارع الكويتي.. سحب الجنسية الكويتية من الإعلامي شعيب راشد يشعل الجدل
بعد المشروع عن السياسة وتفرغه للعمل الإنساني
من أبرز ما يُحسب لمشروع مسام هو تجنبه الانخراط في أي تجاذبات سياسية أو مناطقية. يعمل وفق مبدأ الإنسانية أولًا، ويتعامل مع جميع المناطق المتضررة دون تفرقة. وهو ما جعل له قبولًا واسعًا لدى جميع مكونات المجتمع اليمني، من مسؤولين، وشيوخ قبائل، ومواطنين.
الدكتور عبد الله الربيعة، المشرف العام على مركز الملك سلمان للإغاثة، أكد في تصريحات صحفية حديثة أن مشروع مسام هو واجب إنساني قبل أن يكون التزامًا سياسيًا أو دوليًا، مشيرًا إلى أنه يواجه واحدة من أعقد شبكات زراعة الألغام العشوائية في العالم.
دور مسام في حماية الفئات الهشة
المزارعون، رعاة الماشية، الأطفال، النساء، كبار السن… جميعهم كانوا في صدارة المتأثرين بشبكات الألغام. كثيرون فقدوا أطرافهم أو أفراد عائلاتهم بسبب تلك العبوات. وقد ساهم مشروع مسام في:
- استعادة آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية.
- تسهيل العودة المدرسية في المناطق المطهّرة.
- الحد من معاناة النساء اللواتي كنّ عاجزات عن التنقل.
- حماية الأطفال من العبث بأجسام غريبة قد تكون مميتة.
حملات التوعية المجتمعية
يُدرك المشروع أن إزالة الألغام ليست كافية، لذا خصص برامج توعية تستهدف السكان المحليين، تتضمن:
- جلسات تعليمية في المدارس.
- توزيع منشورات تحذيرية في القرى.
- تدريب المتطوعين المحليين على التعرّف على الألغام.
- نشر لوحات تحذيرية في مناطق الخطر.
هذه الجهود عززت من وعي الناس، وقللت من فرص العبث العفوي الذي قد يؤدي إلى انفجارات.
امتداد الدعم الدولي والشراكات
رغم أن مشروع مسام لنزع الألغام يُمول بالكامل من السعودية، إلا أن تنسيقه يتم مع منظمات دولية متخصصة مثل:
- المركز الدولي لإزالة الألغام (GICHD)
- منظمة HALO Trust البريطانية
- مكتب الأمم المتحدة لخدمة الألغام (UNMAS)
هذا التعاون يضمن أن تكون العمليات متوافقة مع المعايير الدولية، ويعزز من فرص مشاركة البيانات وتحسين أداء الفرق الميدانية.
التمويل والتمديد الأخير للمشروع
أُعلن في أبريل 2025 تمديد فترة عمل المشروع لعام إضافي، مع تخصيص 52.9 مليون دولار إضافية لمواصلة العمل. وبهذا يصل إجمالي التمويل الذي قدمته المملكة للمشروع منذ انطلاقه إلى ما يفوق 230 مليون دولار.
هذا التمديد يأتي كاستجابة طبيعية لاستمرار التهديد في عدد من المناطق، حيث تشير التقديرات إلى وجود أكثر من مليون لغم لم تُكتشف بعد.
هل يمكن القضاء نهائيًا على الألغام؟
بينما تشير الأرقام إلى تقدم ملموس، فإن التحديات لا تزال كبيرة. وتتمثل العقبة الأساسية في:
- نقص الخرائط الدقيقة لمواقع الزراعة العشوائية.
- استمرار زراعة الألغام من قبل بعض الأطراف المتنازعة.
- تعقيد التضاريس الجبلية أو الصحراوية في بعض المناطق.
لكن بالإرادة السياسية، والدعم السعودي، والتعاون المحلي، هناك أمل حقيقي أن يتحقق حلم اليمن “خالي من الألغام” خلال الأعوام القادمة.
جدول مقارنة بين تأثير المشروع قبل وبعد 2018:
المؤشر | قبل المشروع | بعد 5 سنوات من المشروع |
---|---|---|
عدد الألغام المكتشفة سنويًا | مجهول | 100,000+ |
الإصابات بالألغام سنويًا | 400+ | أقل من 90 |
الأراضي القابلة للزراعة | أقل من 40% | تجاوزت 75% |
عودة النازحين | بطيئة جدًا | آلاف الأسر سنويًا |
خاتمة
مشروع مسام ليس مجرد مبادرة هندسية لإزالة الألغام، بل هو عنوان للإنسانية السعودية في زمن التحديات. وبينما يسير العالم نحو التنمية، تتأكد المملكة أن لا أحد يمكن أن ينعم بالحياة ما دام الموت مزروعًا تحت الأقدام. لهذا، تستمر فرق مشروع مسام في أداء مهامها النبيلة، لتنقذ الأرواح، وتُعيد الحياة، وتمنح الملايين حقهم البسيط في السير بأمان.
اقرأ ايضا: انفراجة دبلوماسية لافتة في العلاقات الكويتية السورية: لقاء قمة يعيد رسم ملامح المنطقة