الخليج اليوم

عاصفة تلوح في الأفق.. هل بدأت واشنطن فعليًا الانخراط في الحرب على إيران؟

في قلب المؤسسات التشريعية الأمريكية، تصاعدت الخلافات حول الدور الأمريكي في الحرب على إيران. ففي حين يقود النائب الجمهوري توم ماسي حملة لتقييد استخدام القوة العسكرية دون موافقة الكونغرس، يرى بعض المشرعين الآخرين أن الوقت لا يسمح بالتقاعس. الماسي يُعدّ من أبرز الأصوات الرافضة للتورط، ويطرح مشروع قانون مدعومًا من أعضاء الحزبين بهدف سحب التفويض المفتوح الذي يستخدمه الرئيس ترمب.

لكن داخل الكونغرس، لا يزال الانقسام حادًا، فبينما ترى قيادة الحزب الديمقراطي أن دعم إسرائيل يجب أن يكون محكومًا دستوريًا، يطالب بعض الجمهوريين بمنح الإدارة حرية كاملة في التعامل مع طهران. وداخل هذا السياق، تعود إلى الأذهان مشاهد التدخلات السابقة في العراق وأفغانستان، مما يعزز الحذر لدى الكتلة المعارضة لأي تدخل أمريكي مباشر في الصراع.

الجدير بالذكر أن محاولة مماثلة في عام 2020 لفرض قيود على العمل العسكري ضد إيران فشلت بعد رفض الغالبية الجمهورية، واليوم تبدو الظروف أكثر تعقيدًا بعد مشاركة الجيش الإسرائيلي في تنفيذ غارات موسعة على منشآت إيرانية. وهو ما وضع واشنطن في موقف صعب بين الالتزام بالحليف الإسرائيلي وبين احترام قواعد التفويض.

تتصاعد الأصوات من مراكز الأبحاث المحافظة والليبرالية على حد سواء، محذّرة من أن دخول أمريكا في الحرب على إيران دون خطة طويلة الأمد قد يفتح أبوابًا لا يمكن إغلاقها، لا عسكريًا ولا سياسيًا.

عاصفة تلوح في الأفق.. هل بدأت واشنطن فعليًا الانخراط في الحرب على إيران؟

الدبلوماسية الأمريكية بين المبادرة السياسية والضغوط العسكرية

في ظل تصاعد اللهجة العسكرية، تعمل الإدارة الأمريكية على موازنة سريعة بين المسار السياسي والتحرك الاستباقي. وبموجب تعليمات مباشرة من ترمب، بدأ مبعوثه ستيف ويتكوف تحركات لعقد اجتماع مع نائب وزير الخارجية الإيراني. بحسب مصادر مطلعة، اللقاء قد يجري في سلطنة عمان أو على الأراضي السويسرية، وهي مواقع سبق أن استخدمت في مفاوضات سرّية سابقة بين واشنطن وطهران.

ورغم إرسال تعزيزات عسكرية، تشير التسريبات إلى أن واشنطن تنخرط في الحرب على إيران عبر مسارين متوازيين، أحدهما عسكري استعدادي، والآخر دبلوماسي اختباري. ترمب، المعروف بنزعته للصفقات السياسية، يسعى لاختبار نوايا طهران في ما يخص البرنامج النووي، وقد أكد لمقربين منه أن كل تحرك عسكري سيتم بعد نفاد كل فرص التفاوض.

من الجانب الإيراني، ووفقًا لمصادر إيرانية قريبة من القرار، فإن إيران لم تغلق الباب أمام التفاوض، لكنها تشترط إنهاء العمليات العسكرية الإسرائيلية قبل أي حوار حقيقي، ما يعقّد المسار بشكل لافت.

تؤكد تقارير مراكز دراسات أمريكية أن الخيار الدبلوماسي يواجه تحديات كبيرة، لكنه يظل السبيل الوحيد لتجنب انزلاق واشنطن إلى حرب إسرائيلية إيرانية شاملة قد تمتد لسنوات.


التحركات العسكرية الأمريكية تؤكد جاهزية التدخل

تحليل مسارات طائرات التزود بالوقود الأمريكية أظهر تحركات غير مسبوقة لطائرات KC-135 وKC-46 باتجاه قواعد في إيطاليا وتركيا وقبرص. هذه التحركات تمثل المؤشر العسكري الأوضح على أن الولايات المتحدة تستعد لاحتمال تصعيد المواجهة، أو ما يعرف بمرحلة “الردع الصامت”.

مصدر عسكري أمريكي كشف أن هذه الخطوة جاءت بعد تلقي تعليمات مباشرة من البيت الأبيض لرفع درجة التأهب في شرق المتوسط، مما يُرجح أن واشنطن تنخرط في الحرب على إيران بطريقة غير معلنة حاليًا، لكنها واضحة تكتيكيًا. وفي حال لم تُثمر الجهود الدبلوماسية، فإن الخيار العسكري قد يُفعل بقرار رئاسي، دون انتظار الكونغرس.

التحركات لا تقتصر على الجو. تشير تقارير استخباراتية إلى أن قطعًا بحرية أمريكية أعيد تمركزها قرب مضيق هرمز، في خطوة وقائية تهدف إلى تأمين خطوط الإمداد إذا اندلعت المواجهة.

بين من يرى أن هذه مجرد سياسة ردع، ومن يخشى تحولها لواقع، فإن المؤشرات تؤكد أن الحرب على إيران باتت على الطاولة، وأن الحسابات تُدار الآن بالثواني لا بالأيام.


خبراء السياسة الخارجية يحددون سيناريوهات التصعيد

الرؤية داخل دوائر التحليل الاستراتيجي تنقسم بين من يرى أن واشنطن تسعى لمجرد احتواء تصعيد إيران وإسرائيل، ومن يعتقد أنها تتهيأ فعليًا لتدخل موسّع. مجلة “فورين أفيرز” أشارت في عددها الأخير إلى 3 سيناريوهات مطروحة أمام الإدارة:

  1. ضربة محدودة تستهدف منشآت نووية إيرانية فقط
  2. تدخل شامل يشمل دعم بري وجوي مع إسرائيل
  3. احتواء دبلوماسي يجنب المواجهة ويعيد ملف التفاوض لمركز القيادة

حتى الآن، لا يبدو أن هناك توافق داخل الإدارة الأمريكية حول المسار الأفضل، إذ تدعم القيادة المركزية العسكرية التصعيد المحدود، بينما يعارض كبار المستشارين السياسيين أي تدخل قد يعيد البلاد إلى سيناريو العراق.

السيناريو الأكثر خطورة هو دخول طرف ثالث مثل حزب الله أو الحوثيين في المعادلة، ما قد يجعل من الحرب على إيران صراعًا متشعب الأطراف، يطول أمده وتتسع رقعته الجغرافية.


انعكاسات الصراع الإقليمي على القرارات الأمريكية

تحركات إيرانية على حدود لبنان وسوريا تثير قلق واشنطن، إذ يرى محللون أن طهران تحاول استخدام أوراقها الإقليمية للضغط على إسرائيل، وربما لإجبار أمريكا على التردد في قرار الدخول المباشر.

البيت الأبيض يحاول قراءة كل هذه التحركات ضمن خطة شاملة لتفادي الحرب بين إسرائيل وإيران، مع السعي لتهدئة التوتر في مناطق النفوذ مثل العراق وسوريا. لكن في الوقت ذاته، تدرك الإدارة أن فشل الردع الإسرائيلي في تحييد الخطر الإيراني قد يدفع إسرائيل للمزيد من الضغط العسكري، ما يضع أمريكا في موقف يصعب فيه الحياد.

الاتحاد الأوروبي دخل على الخط عبر فرنسا وألمانيا، ودعا إلى اجتماع طارئ في بروكسل الأسبوع المقبل لبحث سيناريوهات تفادي الانفجار الإقليمي، وهو ما يعكس خطورة الموقف وعمق التأثير العالمي لأي تدخل أمريكي واسع.

التوجه المستقبلي للبيت الأبيض بين الضغط والتريث

ترمب الآن أمام خيارين: إما التقدم نحو المواجهة بحسم، أو منح القنوات الدبلوماسية وقتًا إضافيًا لإثبات جدواها. وعلى ما يبدو، فإنه يحاول المراوغة بين الخيارين، ما يعكس نمط سياسته التي تعتمد على تصعيد مدروس، يضع الخصم تحت الضغط دون إطلاق الرصاصة الأولى.

في المجمل، لا يمكن الجزم بأن واشنطن تنخرط في الحرب على إيران بصورة كاملة، لكنها تحشد وتضغط وتحاور، وفي ذات الوقت، تبقي خياراتها مفتوحة دون التزام واضح.

اقرا ايضاً: اغتيال رئيس الأركان الإيراني الجديد بعد 4 أيام فقط من تعيينه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!