الخليج اليوم

العثور على كشف أثري مذهل في مصر: مدينة إيمت الفرعونية تعود للحياة

تمكنت بعثة جامعة مانشستر البريطانية من تحقيق اكتشاف أثري بارز في منطقة تل الفرعون (تل نباشة) بمحافظة الشرقية، يُعيد إلى ذاكرة العالم مدينة إيمت الفرعونية. يعود هذا الكشف إلى فترة تعود إلى أوائل القرن الرابع قبل الميلاد، وقد أكدت وزارة السياحة والآثار المصرية أن البعثة استخدمت تقنيات الاستشعار عن بُعد وأقمار لاندسات لتحديد بقايا بنى مدنية متكاملة. تتراوح هذه البنايات بين بيوت برجية، منشآت تخزين، معابد أثرية، وأدوات مقدسة تضيء على الحياة الحضرية والدينية في فترات بني أمية متأخرة عبر العصر البطلمي المبكر. في هذا المقال، نسلط الضوء على تفاصيل مدينة إيمت الفرعونية، وأهميتها الأثرية والسياحية، والاكتشافات الجديدة التي تثري فهم الحضارة المصرية القديمة.

العثور على كشف أثري مذهل في مصر مدينة إيمت الفرعونية تعود للحياة

المعطيات التقنية وتحديد موقع الحفائر

تم الاعتماد على مسح جيولوجي بالأقمار الصناعية (الاستشعار عن بعد)، وتحديد مناطق طينية كثيفة عبر خرائط عالية الدقة، ما ساعد في حفر موقع “تل الفرعون” بطريقة غير تدميرية. هذه التقنية ساهمت في اكتشاف مخططات حضرية منظمة تميزت بمباني متعددة الطوابق ذات جدران سميكة (البيوت البرجية). وهي سمة أظهرتها دلتا النيل منذ العصر المتأخر وحتى بداية العصر الروماني. هذا الأسلوب الحديث أتاح للبعثة تتبع مصير المدينة المسحوقة بالزمن، وتحليل بقية الطريق المرجعي من طريق المواكب المؤدي إلى معبد الإلهة واجيت، وهو ما يشير إلى توقف استخدامه خلال الفترة البطلمية.

اقرأ ايضاً: تصريحات عراقجي: لا ثقة في واشنطن ومقاطعة دبلوماسية حتى توقف الحرب الإسرائيلية – الموقف الإيراني يتصاعد

الخصائص المعمارية لمدينة إيمت الفرعونية

تميزت مدينة إيمت الفرعونية بتصميمات معمارية متقدمة بالنسبة لعصرها، خاصة ما يُعرف بـ”البيوت البرجية”، وهي منازل سكنية ضخمة متعددة الطوابق، تُشير إلى أن المدينة احتضنت عددًا كبيرًا من السكان. بنيت هذه المنازل من الطوب اللبن، وسُوّيت بجدران سميكة لتوفير الحماية والاستدامة أمام عوامل الطقس والفيضان.

اللافت أن المدينة تضمنت منشآت مخصصة لتخزين الحبوب، وهي دلالة واضحة على إدارة حضرية محكمة للموارد الزراعية، بجانب حظائر لإيواء الحيوانات، وهو ما يعكس اندماجًا بين النشاط الزراعي والإنتاج الحيواني في نفس البيئة الحضرية.

وقد تم توثيق وجود أنظمة صرف مائية بدائية متصلة بالمنازل، مما يشير إلى فهم عميق لأهمية النظافة والبيئة الصحية، وهو ما نادرًا ما عُثر عليه في المدن من نفس الحقبة.

الدلالات الدينية والرمزية للاكتشافات الأثرية

من أبرز ما أُعلن عنه داخل موقع مدينة إيمت الفرعونية هو الكشف عن بقايا معبد يحتوي على أرضية حجرية ضخمة وعمودين مغطَّيين بالجص، يُعتقد أنهما كانا جزءًا من ممر شعائري. كما عُثر على لوحة أثرية تُصوّر الإله “حورس” واقفًا على تمساحين، وهو ما يرمز إلى القوة والانتصار على قوى الشر، وتحمل أعلاها صورة الإله “بس”، إله المرح والحماية.

تم العثور أيضًا على آلة موسيقية نادرة تُعرف بـ”السيستروم”، وهي آلة برونزية مزينة برأسي الإلهة حتحور، والتي كانت تُستخدم في الطقوس الدينية المرتبطة بالخصوبة والموسيقى والتجديد.

هذه الاكتشافات تعكس التنوع الديني والثقافي لسكان مدينة إيمت الفرعونية، وتوضح أهمية الموقع كمركز ديني فاعل خلال الفترة ما بين نهاية العصر المتأخر وبداية العصر البطلمي.

التقنيات الحديثة في التنقيب وتحديد المواقع الأثرية

يُعد استخدام تقنيات الأقمار الصناعية من أبرز ما يميز عملية اكتشاف مدينة إيمت الفرعونية، حيث استخدمت بعثة جامعة مانشستر صور الأقمار الصناعية (لاندسات) وتقنيات الرادار الأرضي لتحديد التجمعات الكثيفة من الطوب اللبن تحت سطح الأرض. هذا المنهج العلمي المتطور قلّص الحاجة إلى الحفر العشوائي، وسمح بالوصول إلى نتائج دقيقة مع الحفاظ على سلامة التربة.

من خلال هذا النموذج العلمي، بدأ علماء الآثار يستشرفون حقبة جديدة في التنقيب تعتمد على جمع البيانات وتحليلها رقميًا قبل اتخاذ قرار التنقيب اليدوي، مما يزيد من فرص النجاح في الوصول إلى الاكتشافات وتقليل التكاليف والوقت.

الأهمية السياحية والاستراتيجية للاكتشاف

مع اكتشاف مدينة إيمت الفرعونية، تتطلع وزارة السياحة والآثار المصرية إلى إدراج محافظة الشرقية ضمن خريطة السياحة الأثرية العالمية، عبر تطوير الموقع ليصبح متحفًا مفتوحًا للزوار، مع توفير بنية تحتية ملائمة، ومسارات تعليمية للأطفال والباحثين.

وفي ضوء الترويج العالمي الذي حصل عليه الكشف، تستعد جامعة مانشستر لنشر دراسة علمية شاملة حول المدينة في مجلات دولية مرموقة، مما يُرجّح استقطاب اهتمام عالمي بالمنطقة.

تُعزز هذه الخطوات موقع مصر كواحدة من أبرز الوجهات في السياحة الثقافية، في ظل توجه عالمي متزايد نحو السياحة الأثرية المستدامة.

ردود الفعل المحلية والدولية حول الكشف

أشاد وزير السياحة والآثار المصري، شريف فتحي، بالكشف قائلًا إنه يمثل “علامة فارقة في فهم الحياة اليومية في مصر القديمة”، في حين أشار الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار الدكتور محمد إسماعيل خالد إلى أن الكشف يعزز المعرفة بخصوص الدلتا خلال العصور المتأخرة والبطلمية.

كما نال الإعلان اهتمامًا عالميًا واسعًا، حيث غطّت وكالات الأنباء الدولية مثل BBC وCNN وNational Geographic الحدث، وسلطت الضوء على الاستخدام المتقدم للتقنيات الحديثة في التنقيب.

من جانبها، لم تعلّق جامعة مانشستر على توقيت الدراسة المرتقبة، لكنها أكدت أن العمل على توثيق المكتشفات يجري بوتيرة سريعة، لتقديم صورة شاملة للعالم عن مدينة إيمت الفرعونية وتفاصيلها المعمارية والدينية والاجتماعية.

في النهاية

الكشف عن مدينة إيمت الفرعونية لا يمثل فقط كشفًا أثريًا، بل يُعيد تشكيل التصور العالمي حول الحواضر المصرية القديمة التي تميزت بالتنظيم، وتعدد الوظائف، والازدهار الاقتصادي والديني. ومن خلال استخدام العلم الحديث، والتعاون الدولي، تعود مصر مرة أخرى إلى واجهة الاكتشافات الكبرى، حاملة للعالم أسرارًا لم تكتشف بعد.

اقرأ ايضاً: انهيار متواصل: منصات التنقيب عن النفط في أمريكا تتراجع للأسبوع الثامن – ماذا يحدث؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!