مال وأعمال

متى يخفض الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة؟

في خضم الضغوط الاقتصادية والسياسية المتصاعدة، عاد رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، ليلفت الأنظار بتأكيده مجدداً أن قرار خفض الفائدة لم يُتخذ بعد. في مؤتمره الأخير بالبنوك المركزية في البرتغال، شدد باول على ضرورة الانتظار ومتابعة تأثير الرسوم الجمركية على التضخم قبل الدخول في أي خطوة تخفيض، متجاهلاً طلبات الرئيس ترامب بتخفيض فوري وعميق. ومع توالي البيانات الأميركية حول التضخم وسوق العمل، ارتفع رهان المستثمرين على خفض محتمل في يوليو أو سبتمبر، لكن التماسك الداخلي داخل الفيدرالي والمخاوف من تأثير الرسوم الجمركية على الأسعار ما يزال يلقي بظلاله على القرار.

متى يخفض الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة؟

الوضع الراهن لأسعار الفائدة الأميركية

بلغ نطاق الفائدة الأساسي بحسب الاحتياطي الفيدرالي بين 4.25% و4.5% منذ ديسمبر 2024. هذه المستويات حافظت على الإرادة المركزية لخفض التضخم إلى معدل مستهدف 2%.
قال باول: «الاقتصاد الأميركي في وضع جيد»، في إشارة لتماسك سوق العمل واستمرار نمو التضخم المتراجع، رغم ارتفاع متلاعب لتأثيرات الرسوم الجمركية.
من جهة أخرى، ناشد أعضاء آخرون مثل كريستوفر والر وميشيل بومان بضرورة خفض الفائدة اعتباراً من يوليو، مستدلين بأن تأثير الرسوم الجمركية على التضخم قد يكون محدوداً ومؤقتاً.
تحليلنيًا، يشكل هذا الانقسام إشارة على الحالة المُحفوفة بالتقلبات داخل الفيدرالي، مما يبرر قرار باول بالتريث وانتظار بيانات أقوى ودقيقة حول التضخم والتوظيف قبل اتخاذ خطوة.
ويتطلع المستثمرون للبيانات التالية: تقارير الوظائف غير الزراعية لشهر يونيو، مؤشر أسعار المستهلك (CPI)، وتأثير الرسوم الجمركية التي تدخل حيز التنفيذ في 9 يوليو .

أقرًا أيضًا: هل تُعزز زيارة وزير الموارد البشرية لــ”تبوك” مسيرة التنمية الاجتماعية؟

 الانقسام في رأي أعضاء الفيدرالي

يبرز الانقسام بين أعضاء الاحتياطي الفيدرالي بوضوح:

  • جيروم باول: يفضل موقف “الانتظار والمراقبة” إلى توفير مزيد من الأدلة على تأثير الرسوم الجمركية

  • كريستوفر والر: يتوقع أن تأثير الرسوم محدود، وبالتالي يدعم خفض الفائدة اعتباراً من يوليو

  • ميشيل بومان: تؤيد خطوة في يوليو، استناداً إلى المؤشرات المخففة للتضخم وبعض مؤشرات ضعف سوق العمل

  • رافائيل بوسيتك (أتلانتا): يشدد بدوره على ضرورة توفر وضوح في بيانات التضخم وسوق العمل، ولا يرى تبريراً للخفض حتى ذلك الوقت
    ثمة تأكيد على أن أغلب أعضاء الفيدرالي يرون أن المنتظر هو النصف الثاني من السنة، مع احتمال بدء دورة خفض تدريجي تتسارع في 2026 إذا استقرت المعطيات الحالية.

 

 تأثير الرسوم الجمركية على التضخم وسوق السلع

فرضت إدارة ترامب رسوم على واردات من شركاء رئيسيين منذ عدة أشهر، مع موعد زيادتها في 9 يوليو 2025. يتوقف الاحتياطي الفيدرالي على تطور هذه الخطوة واثرها على السلع والخدمات، خصوصاً السلع الاستهلاكية والإنتاج الصناعية.
حتى الآن، تشير بيانات مايو إلى تضخم سنوي لمؤشر أسعار المستهلك (CPI) بنسبة ≈2.4%، ضمن نطاق معتدل، دون بلوغ عتبة 3% التي تقلق صانع السياسة النقدية.
كما لم يلمس الفيدرالي آثاراً واضحة للتضخم الناتج عن الرسوم، وفق تصريحات باول بأن أثر الرسوم سيكون غير واضح ويتطلب وقتاً لتُشهد انعكاساته .
تاخير الرسوم الجمركية لم يخفف من الانزعاج السياسي، لكن من منظور تسعيري فإن الأسواق لم تسجل ارتفاعاً ثابتاً في الأسعار يتماشى مع فرضية رسوم مستمرة وعالية.
إذا استمر هذا التوازن، فإن مسار الاحتياطي الفيدرالي قد يتحول لمسار خفض منتصف أو أواخر العام.

 ردود فعل الأسواق والأدوات الاقتصادية البديلة

ردت الأسواق بحذر وترقب:

  • الأداء المتذبذب لمؤشرات الأسهم: تراجع طفيف في S&P500 وناسكاد، بينما صعد داو جونز، يعكس حالة من “الترقب الحذر.

  • الأسواق المشتقة (فيوتشرز) تُسعّر احتمال خفض واحد بحلول يوليو بنسبة ~25%، مرتفعاً من أقل من 20% سابقاً، وتردد احتمالين للخريف .

  • ارتفاع أسعار الذهب تفاعل مع التوقعات بانخفاض الفائدة منتصف العام: الذهب وصل نحو 3322–3323 دولاراً للأوقية، مدعوم بانخفاض الدولار والقلق من الرسوم .

  • أسعار سندات الخزانة: ارتفعت العائدات على الأمد القصير بسبب مخاوف التضخم، بينما تعززت توقعات التضخم المستقبلي مطالبة بتعديل تدريجي في السياسة النقدية.

  • استقر الدولار عند مستويات منخفضة نسبياً، مدفوعاً بتوقعات خفض الفائدة والانقسام السياسي داخل الاحتياطي الفيدرالي.

التوقع الزمني لخفض الفائدة القادم

استناداً إلى تحليلات البنوك الكبرى ومواقف صانعي السياسات، يمكن رسم بضع نقاط زمنية محتمَلة:

الوقت المتوقعالسيناريو
نهاية يوليو (29–30 يوليو)لا يُستبعد خفض أولي بمقدار ربع نقطة، إذا تراجعت بيانات التضخم وشهد سوق العمل تباطؤاً طفيفاً.
سبتمبر–أكتوبريُرجَّح أن يبدأ خفض النظام النقدي القصير بمقدار 50–75 نقطة إذا تأكد ثبات التضخم ضمن التوقعات الأساسية .
منتصف 2026يتوقع البعض أن تصل دورة التيسير إلى ذروتها باستقبال الدعم المالي الكافي للاقتصاد، خاصة إن فُرضت رسوم إضافية أو تفجّرت أزمة اقتصادية .

في المجمل، يرى الاحتياطي الفيدرالي أن خفض الفائدة لن يكون قبل تأكيد استمرار التضخم المنخفض والتراجع النسبي في ضغط الرسوم.

6. التحديات والمخاطر أمام القرار النقدي

يواجه القرار معضلة مركبة:

  • السياسي: ترامب يقود حملات مستمرة لمزيد من التيسير النقدي، بل وطالب بالفائدة إلى مستويات 1%، مهدداً بتغيير باول.
  • الاقتصادي: التضخم قانع حالياً، لكن الرسوم الجمركية قد تعيد صعوده خلال الصيف، وهو ما يقلق الفيدرالي ويؤخّر الخطوة .
  • السوق المالي: ضعف الثقة بوثوقية قرارات الفيدرالي يمكن أن يؤدي لتقلبات حادة في سوق الأسهم والسندات، ويعوّض الأسواق على التيسير بإعادة تسعير الأصول.
  • العمالة: رغم تماسك سوق العمل حتى الآن، فإن تباطؤاً طفيفاً قد يدفع بالفيدرالي لاتخاذ إجراء وقائي، وهو ما يدعم توجه أعضائه المؤيدين للتخفيض المبكر.
  • الاستقلال المؤسسي: تجاذبات السلطة السياسية تُخاطر باستقلالية الاحتياطي الفيدرالي، وقد تضعف قراراته المستقبلية إذا ما تكررت ضغوط مماثلة .

 في النهاية

ختاماً، لا يزال قرار الاحتياطي الفيدرالي بخصوص موعد خفض سعر الفائدة معلقاً بين رؤية متحفّظة تدعو لمزيد من البيانات، ورؤى أكثر تفاؤلاً ترى ضرورة التحرك في يوليو. يتضح أن البوصلة الآن تُشير إلى قيام أول خفض بنهاية الصيف أو أوائل الخريف، لكن القرار سيترتب على ثلاثة عوامل رئيسية: تأثير الرسوم الجمركية، مؤشرات التضخم الجديدة، واستمرار قوة سوق العمل.
يجب مراقبة اجتماع الاحتياطي الفيدرالي في 29–30 يوليو، وتوابع البيانات الاقتصادية حتى سبتمبر. في النهاية، لا يخفي أحد أن استقلالية الفيدرالي تتعرض لتحديات غير مسبوقة، ما يضفي على القرار أهمية سياسية واقتصادية استثنائية.
لذلك، يبقى السؤال قائمًا: متى سيخفض الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة؟، والمستقبل القريب يحمل الإجابة.

أقرًا أيضًا: هل هرب سامر المصري حقاً من التهديدات في سوريا؟

كاتب

  • doaa-alhdad

    دعاء الحداد صحفية ومحررة في موقع الخليج لايف، متخصصة في تحرير الأخبار السعودية والخليجية بدقة واحترافية. تمتلك خبرة طويلة في الصحافة الإلكترونية، وعملت سابقًا في عدة منصات إعلامية مرموقة مثل أخبار العرب، عرب نيوز، ويلا جون. تهتم بتغطية التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في منطقة الخليج، وتتميز بتحرير موضوعي ومهني يعكس فهمًا عميقًا للمشهد الإخباري الخليجي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!