الرسوم الجمركية الأمريكية تهدد الاقتصاد العالمي.. ماذا وراء القلق الأوروبي المتصاعد؟”

في تطور يهدد استقرار العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، أعلنت واشنطن عن فرض رسوم جمركية أمريكية بنسبة 30% على مجموعة من السلع الأوروبية بدءًا من الأول من أغسطس/آب. هذا القرار الذي وصفه كبار المسؤولين الأوروبيين بـ”المقلق”، يعيد إلى الواجهة شبح الحروب التجارية ويطرح تساؤلات عميقة حول مستقبل النظام التجاري الدولي. وبينما دعت دول أوروبية كبرى إلى التفاوض وتفادي التصعيد، تتزايد المخاوف من انعكاسات الرسوم الجمركية الأمريكية على الاقتصاد العالمي برمّته.

ما هي الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة وما نطاقها؟

تستهدف الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة واردات أوروبية تتضمن منتجات صناعية وغذائية رئيسية مثل الصلب، الألمنيوم، السيارات، والأجبان الفاخرة. وتشير تقارير من وزارة التجارة الأمريكية إلى أن قيمة السلع الخاضعة للرسوم قد تتجاوز 20 مليار دولار سنويًا. هذه الخطوة جاءت كرد على ما اعتبرته إدارة ترامب السابقة – والتي تتبناها الإدارة الحالية جزئيًا – ممارسات تجارية غير عادلة من قبل الاتحاد الأوروبي، خاصة ما يتعلق بدعم قطاعات مثل الطيران والزراعة.

الرسوم الجمركية الأمريكية، وفق محللين اقتصاديين، لا تهدف فقط إلى حماية الصناعة الأمريكية، بل تُعد ورقة ضغط في مفاوضات أوسع تشمل التجارة الرقمية، الضرائب على الشركات متعددة الجنسيات، ودور منظمة التجارة العالمية. من المهم أيضًا الإشارة إلى أن مثل هذه الإجراءات تُصعّد من احتمال الرد بالمثل من الجانب الأوروبي، ما قد يُدخل الاقتصاد العالمي في حلقة من الإجراءات الحمائية المتبادلة.

لماذا يثير القرار قلق قادة الاتحاد الأوروبي؟

أبرز ما يثير القلق هو التوقيت والسياق السياسي والاقتصادي الذي صدر فيه القرار. فالاتحاد الأوروبي يواجه بالفعل تباطؤًا اقتصاديًا نتيجة الحرب في أوكرانيا، وأزمات الطاقة، وارتفاع مستويات التضخم. ومع دخول الرسوم الجمركية الأمريكية حيّز التنفيذ، يخشى الأوروبيون من مزيد من الضغوط على قطاعاتهم التصديرية، خاصة في الدول التي تعتمد على العلاقات التجارية الوثيقة مع الولايات المتحدة، مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا.

كما حذر اقتصاديون من بنك UBS السويسري من أن الرسوم الجمركية الأمريكية قد تؤدي إلى تراجع في النمو الاقتصادي الأوروبي بمعدل يصل إلى 0.5% خلال العام المقبل، في حال تصعيد الإجراءات التجارية المتبادلة. علاوة على ذلك، ترى المفوضية الأوروبية أن فرض رسوم دون تنسيق أو مشاورات يعد انتهاكًا للقواعد التجارية المتفق عليها في منظمة التجارة العالمية.

موقف هولندا وإيطاليا.. إشارات إلى وحدة الموقف الأوروبي؟

رئيس الوزراء الهولندي ديك شوف، وصف القرار الأمريكي بأنه “مقلق” ودعا إلى التكاتف الأوروبي في مواجهة التحديات. وفي نفس السياق، أكدت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني على أهمية استمرار الحوار مع واشنطن من أجل التوصل إلى اتفاق عادل. هذا التوافق في المواقف يعكس تغيرًا في السياسات الأوروبية، حيث تتجه الدول الأعضاء بشكل متزايد إلى تبني مواقف موحدة في مواجهة السياسات التجارية الأمريكية.

من الناحية العملية، يدعم هذا التوجه توجهات سابقة اتخذها الاتحاد الأوروبي لتعزيز قوته التفاوضية، خاصة بعد تجارب مريرة خلال النزاعات التجارية في عهد ترامب. وتشير مصادر في بروكسل إلى أن المفوضية الأوروبية تدرس حزمة من الإجراءات المضادة، تتضمن فرض رسوم جمركية على منتجات أمريكية مختارة، لكن دون المساس بالعلاقات الاستراتيجية بين الطرفين.

التأثيرات المحتملة على الأسواق العالمية وسلاسل التوريد

تمثل الرسوم الجمركية الأمريكية تهديدًا مباشرًا لسلاسل الإمداد العالمية التي لا تزال تتعافى من تداعيات جائحة كوفيد-19. فالتبادل التجاري بين أوروبا وأمريكا يُعد من أكبر الشراكات الاقتصادية في العالم، ومع تعطل هذه التدفقات التجارية، قد تواجه الشركات متعددة الجنسيات صعوبات إضافية في نقل المواد الخام والمكونات الصناعية.

تُظهر بيانات البنك الدولي أن نحو 15% من إجمالي صادرات الاتحاد الأوروبي تذهب إلى الولايات المتحدة، مما يجعل الأخيرة شريكًا تجاريًا لا يمكن الاستغناء عنه بسهولة. ووفق دراسة حديثة أعدها معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، فإن فرض رسوم جمركية أمريكية بنسبة 30% قد يتسبب في خسائر تصل إلى 50 مليار دولار على مدى عامين بسبب انخفاض الطلب الأمريكي على المنتجات الأوروبية.

أقرًا أيضًا: وول ستريت على صفيح ساخن بعد رسوم ترامب الجمركية على كندا.. هل تنهار الأسواق؟

مقارنة بين الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة والسابقة

توضح هذه المقارنة كيف تتصاعد شدة الرسوم الجمركية الأمريكية عامًا بعد آخر، وما يصاحبها من خسائر اقتصادية متزايدة للطرفين.

الرسوم الجمركية الأمريكية بين السيادة الاقتصادية والصراع السياسي

في ضوء السياسة الأمريكية القائمة على “أمريكا أولاً”، تبدو الرسوم الجمركية الأمريكية جزءًا من استراتيجية أشمل تهدف إلى تقليل الاعتماد على الخارج، وإعادة التوازن للميزان التجاري الذي يعاني من عجز مزمن. لكن هذه السياسة لا تمر دون كلفة؛ إذ يرى خبراء في معهد بروكينغز أن هذه الإجراءات، رغم أنها قد تفيد قطاعات أمريكية على المدى القصير، إلا أنها تقوض الثقة في النظام التجاري العالمي.

كما ترتبط الرسوم الجمركية الأمريكية بسياقات سياسية داخلية، إذ تسعى الإدارة الأمريكية إلى كسب دعم الناخبين في الولايات الصناعية قبل الانتخابات المقبلة. وتُستخدم التجارة كأداة للضغط الدبلوماسي أيضًا، خاصة في الملفات المرتبطة بالصين، التكنولوجيا، والضرائب الرقمية.

هل تؤدي الرسوم الجمركية الأمريكية إلى حرب تجارية جديدة؟

مع ازدياد المؤشرات على اتخاذ الاتحاد الأوروبي لإجراءات مضادة، ووجود تصريحات من قادة أوروبيين تعتبر الخطوة الأمريكية استفزازية، تتزايد احتمالات اندلاع حرب تجارية جديدة. لكن هل تكون بنفس حدة الحرب التجارية بين أمريكا والصين؟ يبدو ذلك مستبعدًا حاليًا، إذ تسعى العواصم الأوروبية إلى تجنب التصعيد، لكن في حال عدم التوصل إلى حلول دبلوماسية، فإن الحرب التجارية قد تصبح أمرًا واقعًا.

في النهاية 

من جهته، دعا الأمين العام لمنظمة التجارة العالمية مؤخراً إلى ضبط النفس، محذرًا من أن تصاعد التوتر بين أكبر اقتصادين في الغرب قد يزعزع استقرار النظام التجاري بأكمله. ووسط هذا المشهد المعقد، يبقى السؤال مفتوحًا: هل ستنجح الدبلوماسية في تجاوز الأزمة، أم أن الرسوم الجمركية الأمريكية ستفتح الباب مجددًا أمام صراع اقتصادي مفتوح؟

أقرًا أيضًا: هل تواصل أسعار النفط الارتفاع بعد قفزة برنت والخام الأمريكي الأسبوعية