هل تشعل الرسوم الجمركية الأمريكية مواجهة أوروبية أمريكية كبرى؟
في ظل تصاعد التوترات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تعود قضية الرسوم الجمركية الأمريكية إلى الواجهة من جديد، مهددة بفتح فصل جديد من الحرب التجارية العابرة للأطلسي. دعوة وزير المالية الألماني الأخيرة لاتخاذ “إجراءات حاسمة” ضد الولايات المتحدة، تكشف عن تحول حاد في الموقف الأوروبي، خاصة إذا فشلت المفاوضات الجارية بشأن التعريفات التجارية. تتزامن هذه التصريحات مع سياسات تجارية أمريكية تُوصف بالحمائية، تهدد قطاع الصناعة والتصدير الأوروبي، وتفرض على بروكسل إعادة تقييم أدواتها الدفاعية. فما الذي يحدث تحديدًا؟ ولماذا تشكل الرسوم الجمركية الأمريكية نقطة اشتعال جديدة؟
السياسات الجمركية الأمريكية خلفيات تصعيدية تعزز التوتر
فرضت الولايات المتحدة خلال الأعوام الأخيرة تعريفات جمركية متزايدة على واردات أوروبية تشمل الصلب، الألمنيوم، السيارات، ومنتجات زراعية مثل النبيذ والجبن. تعود هذه السياسة إلى إدارة ترامب، لكنها استمرت بنسق مختلف مع إدارة بايدن تحت غطاء “حماية الصناعات الوطنية” و”تقليل الاعتماد على الصين”. وتشير تقارير حديثة من “Bloomberg Economics” إلى أن الولايات المتحدة تدرس حالياً فرض رسوم إضافية تصل إلى 30% على بعض منتجات الاتحاد الأوروبي، ما دفع بعض الدول الأوروبية إلى وصف هذه الإجراءات بأنها “ابتزاز اقتصادي من حليف استراتيجي”.
تأثير الرسوم على الاقتصاد الأوروبي
وفق بيانات المفوضية الأوروبية لعام 2024، فإن الرسوم الجمركية الأمريكية تسببت في انخفاض صادرات أوروبا إلى أمريكا بنسبة 12% خلال العامين الماضيين، خصوصًا في قطاعات السيارات والمنتجات التقنية الدقيقة. وتشير تقديرات غرفة التجارة الألمانية إلى خسائر مباشرة تجاوزت 15 مليار يورو، ما دفع صناع القرار الأوروبيين للمطالبة بإعادة تقييم الشراكة التجارية العابرة للأطلسي.
موقف ألمانيا: بين الحوار والحسم
تصريحات وزير المالية الألماني لارس كلينجبيل تعكس نبرة جديدة أكثر حدة من برلين، إذ دعا بشكل واضح إلى التحرك الجماعي داخل الاتحاد الأوروبي في حال فشل المسار التفاوضي. يرى مراقبون أن هذا الموقف ينبع من ضغوط متزايدة من الصناعات الألمانية، وعلى رأسها قطاع السيارات الذي يُعد الأكثر تضررًا من الرسوم الجمركية الأمريكية.
التصعيد المحتمل
في حالة تعثر المفاوضات، من المتوقع أن تدفع ألمانيا باتجاه استخدام أدوات الرد التجاري، مثل فرض رسوم مضادة أو اللجوء إلى منظمة التجارة العالمية. كما تدرس الحكومة الألمانية تعزيز الدعم المحلي للشركات المتضررة، وتوسيع الاتفاقيات الثنائية مع شركاء تجاريين بديلين، في آسيا وأمريكا اللاتينية.
الموقف الفرنسي ودعوات أوروبية للتكامل التجاري الداخلي
فرنسا بدورها تتخذ موقفًا مشابهًا ولكن أكثر تركيزًا على ضرورة تقوية السوق الأوروبية الداخلية لمواجهة التأثيرات السلبية للتوترات التجارية العالمية.
أقرًا أيضًا: الرسوم الجمركية الأمريكية تهدد الاقتصاد العالمي.. ماذا وراء القلق الأوروبي المتصاعد؟”
استراتيجية الرد الأوروبي الجماعي
تضغط باريس في اتجاه استخدام “آلية الرد السريع الأوروبية” التي تم تفعيلها مؤخرًا للتعامل مع التهديدات الاقتصادية الخارجية. كما اقترح وزير الاقتصاد الفرنسي تشكيل جبهة موحدة داخل الاتحاد الأوروبي تتبنى استراتيجية دفاع اقتصادي موحدة، تركز على دعم الابتكار المحلي وتقليل الاعتماد على السوق الأمريكية.
تأثير الرسوم الجمركية الأمريكية على سلاسل التوريد العالمية
تمثل الرسوم الجمركية الأمريكية تهديدًا مباشرًا لسلاسل التوريد العالمية، لا سيما في الصناعات التكنولوجية والسيارات، حيث تعتمد الشركات الأوروبية على التصدير للأسواق الأمريكية وعلى المواد الخام المستوردة من آسيا عبر موانئ أمريكية.
أرقام وإحصائيات
تشير بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) إلى أن حوالي 18% من السلع المصنعة في أوروبا والمتجهة إلى السوق الأمريكية واجهت رسومًا جديدة خلال 2023 و2024. كما أن شركات مثل “BMW” و”Bosch” أعلنت عن تأخير في التسليمات وتكاليف إضافية بلغت 1.5 مليار دولار خلال النصف الأول من 2024 وحده.
الولايات المتحدة مبررات الرسوم ودوافع داخلية
من منظور أمريكي، تدافع وزارة التجارة عن الرسوم الجمركية الأمريكية بوصفها ضرورة لحماية الصناعات المحلية من الإغراق الأوروبي، ودعم الاقتصاد الوطني في ظل التباطؤ الاقتصادي بعد جائحة كورونا والتضخم المتزايد.
الانتخابات الأمريكية وتأثيرها على الملف الجمركي
مع اقتراب انتخابات 2024، يستخدم المرشحون من كلا الحزبين الخطاب الحمائي لزيادة الدعم الشعبي، ما يزيد احتمالات تصعيد الرسوم على المنتجات الأوروبية. وتشير صحيفة “The Wall Street Journal” إلى أن إدارة بايدن تدرس خطوات إضافية لتعزيز التصنيع المحلي، حتى لو جاء ذلك على حساب الشركاء التجاريين التقليديين.
المستقبل إلى أين تتجه المواجهة الأوروبية الأمريكية؟
يرى محللون في معهد “بروكنغز” أن استمرار التصعيد سيؤدي إلى إعادة رسم خريطة التجارة العالمية، ويدفع أوروبا لتقوية تحالفاتها مع آسيا، خاصة الصين والهند، وتقليل اعتمادها على الأسواق الأمريكية.
خيارات الاتحاد الأوروبي
من بين الخيارات المطروحة:
- رفع الرسوم الجمركية على واردات أمريكية معينة.
- تقديم دعم مالي مباشر للقطاعات المتضررة.
- تقديم شكوى رسمية إلى منظمة التجارة العالمية.
- توقيع اتفاقيات تجارة حرة بديلة مع دول غير أمريكية.
جدول مقارنة بين الرسوم الجمركية الأمريكية والسياسات الأوروبية المقابلة
البند | الرسوم الأمريكية على أوروبا | الرد الأوروبي المقترح |
---|---|---|
السيارات الألمانية | 25% | دعم قطاع السيارات محليًا |
منتجات زراعية (جبن ونبيذ) | 20% | رسوم مضادة + دعم زراعي |
الألمنيوم والصلب | 15% | شكوى لمنظمة التجارة العالمية |
منتجات تكنولوجيا دقيقة | 30% | تعزيز الصناعة الأوروبية |
في النهاية
فإن مستقبل العلاقات الاقتصادية بين أوروبا وأمريكا يتوقف على نتائج المفاوضات الجارية. وإذا ما فشلت، فإن حقبة جديدة من الحروب التجارية قد تنطلق من جديد، تقودها الرسوم الجمركية الأمريكية، وتعيد رسم معالم الاقتصاد العالمي لعقود مقبلة.
أقرًا أيضًا: هجوم الدعم السريع شمال كردفان يخلّف 11 قتيلاً ويشعل موجة رعب جديدة بين المدنيين