مال وأعمال

الاتحاد الأوروبي يفرض رسوم على سلع أمريكية بـ21 مليار يورو في أكبر تصعيد تجاري منذ سنوات

في خطوة تحمل نذر مواجهة تجارية واسعة، أعلن الاتحاد الأوروبي استعداده لتطبيق رسوم جمركية على واردات أمريكية تصل قيمتها إلى 21 مليار يورو، كرد مباشر على تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم إضافية على منتجات أوروبية ومكسيكية اعتبارًا من أغسطس المقبل. هذه التحركات أعادت إلى الأذهان توترات الحرب التجارية التي اشتعلت خلال عهد ترامب الأول، لكنها هذه المرة تأتي في ظل ظروف اقتصادية أكثر هشاشة في منطقة اليورو، وصعود خطاب حمائي في واشنطن.

الرسوم الأوروبية لا تمثل فقط ردًا سياسيًا، بل هي أيضاً محاولة لحماية الصناعات المحلية من موجة تهديدات تجارية لا تهدأ، خاصة مع تصاعد الضغط الأمريكي لإعادة التفاوض حول شروط التبادل التجاري متعددة الأطراف. في هذا المقال، نرصد خلفيات القرار الأوروبي، أبعاده الاقتصادية، وتداعياته المحتملة على العلاقات العابرة للأطلسي، في واحدة من أكثر المواجهات الجمركية إثارة خلال السنوات الأخيرة.

الاتحاد الأوروبي يفرض رسوم على سلع أمريكية بـ21 مليار يورو في أكبر تصعيد تجاري منذ سنوات

 قائمة بـ21 مليار يورو مرشحة للتصعيد

أفاد وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني بأن الاتحاد الأوروبي أعد بالفعل قائمة تفصيلية بالسلع الأمريكية المستهدفة برسوم جمركية في حال فشل المفاوضات. هذه السلع تشمل منتجات زراعية، تكنولوجية، سيارات، ومعدات طبية وصناعية.

وبحسب تقرير حصري لوكالة رويترز (14 يوليو 2025)، فإن القائمة شملت شركات كبرى مثل جنرال موتورز، آبل، كاتربيلر، وتسلا، ومن المتوقع أن تتراوح الرسوم بين 10% و30% حسب نوع السلعة ومدى تأثيرها على السوق الأوروبية.

ومن اللافت أن تاياني لم يستبعد إعداد “قائمة ثانية” إذا ثبت استحالة التوصل لاتفاق. هذا التصريح يعطي إشارة واضحة بأن الاتحاد الأوروبي بات مستعدًا لخوض مواجهة مطولة، في وقت يعاني فيه اقتصاد منطقة اليورو من معدلات نمو بطيئة وارتفاع أسعار الطاقة.

وقدّرت تقارير بلومبرغ أن إجمالي الخسائر المحتملة على الطرفين قد تتجاوز 40 مليار دولار في حال تم تنفيذ التهديدات المتبادلة بشكل كامل، ما يهدد سلاسل الإمداد العابرة للأطلسي.

أقرأ أيضًا: انسحاب الهلال من السوبر السعودي يشعل الجدل واتحاد الكرة يواجه مأزق العقوبة

 30% رسوم على واردات أوروبية ومكسيكية

من جانبه، صعّد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لهجته، مؤكدًا أن بلاده ستفرض رسومًا جمركية بقيمة 30% على منتجات من الاتحاد الأوروبي والمكسيك اعتبارًا من 1 أغسطس. تأتي هذه التصريحات عقب أسابيع من المفاوضات غير المثمرة بين واشنطن وشركائها التجاريين.

ترامب اعتبر أن الاتفاقات الحالية “غير عادلة للمنتج الأمريكي”، متهمًا أوروبا بتقديم دعم حكومي غير قانوني لصناعاتها، وعلى رأسها قطاع السيارات والألبان.

تحركات ترامب تندرج ضمن نهجه المتشدد في “أمركة التجارة”، والتي تسعى لفرض ضغوط على الشركاء لإعادة التفاوض من موقع قوة. لكن اقتصاديين حذروا من أن هذه السياسة ستنعكس سلبًا على الأسواق الأمريكية نفسها، خاصة في قطاعات تعتمد على المواد الخام الأوروبية، مثل التكنولوجيا والعقارات.


رد الفعل الأوروبي موحّد أم متردد؟

رغم الإعلان الصريح عن الاستعداد الأوروبي لفرض الرسوم، إلا أن دول الاتحاد لم تكن على نفس الدرجة من الحماسة. بينما تؤيد فرنسا وإيطاليا التصعيد كرد على التهديدات الأمريكية، أبدت ألمانيا وهولندا تحفظات على التصعيد الفوري، داعية لإعطاء المفاوضات فرصة إضافية.

ووفقًا لتقرير Politico EU، فإن قادة اقتصاديين ألمان حذروا من أن فرض رسوم انتقامية سيضر بصناعة السيارات والآلات الثقيلة، والتي تعتمد بشكل كبير على التصدير إلى الولايات المتحدة.

لكن الرئاسة الأوروبية الحالية، التي تتولاها إسبانيا، أكدت في بيان رسمي أن “الرد الموحد هو الخيار الوحيد للحفاظ على هيبة السوق الأوروبية المشتركة”.

البنك المركزي الأوروبي يدخل على الخط

على الهامش الاقتصادي، دعا تاياني البنك المركزي الأوروبي إلى إعادة النظر في إطلاق برنامج تيسير كمي جديد لمواجهة آثار الأزمة التجارية المرتقبة. واقترح أيضًا النظر في خفض أسعار الفائدة مجددًا لتحفيز النمو الداخلي في ظل تباطؤ الاقتصاد العالمي.

ويرى محللون أن مثل هذه الدعوات تؤكد على حجم القلق داخل أروقة القرار الأوروبي، خاصة أن منطقة اليورو لم تتعاف بعد من آثار التضخم المرتفع وأزمة الطاقة التي تبعت الحرب في أوكرانيا.

وتشير بيانات Eurostat إلى أن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي لم يتجاوز 0.8% في الربع الثاني من 2025، وهو أبطأ معدل نمو منذ 2021.

تداعيات محتملة على الأسواق العالمية

التصعيد بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لن يبقى تأثيره محصورًا داخل الحدود الأوروبية أو الأمريكية، بل سيمتد إلى أسواق آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط.

فبحسب صندوق النقد الدولي، فإن الحرب التجارية قد تؤدي إلى فقدان أكثر من 1.2 مليون وظيفة في سلاسل الإمداد المرتبطة بالصناعات التكنولوجية والزراعية. كما يمكن أن تؤثر على استقرار أسعار العملات، لا سيما اليورو والدولار، مما يزيد من تقلبات السوق.

الأسواق المالية استجابت بالفعل للتهديدات. حيث سجل مؤشر داكس الألماني انخفاضًا بنسبة 2.3%، في حين فقد مؤشر ناسداك الأمريكي 1.7% في تداولات ما بعد الإعلان عن الرسوم. وتراجعت أسهم شركات التصدير الأوروبية الكبرى مثل BMW وSiemens وAirbus.

 جدول مقارنة – التأثير المتوقع للرسوم المتبادلة

المؤشرالولايات المتحدةالاتحاد الأوروبي
إجمالي السلع المتأثرة25 مليار دولار21 مليار يورو
أبرز القطاعات المتضررةالسيارات، الألبان، الطيرانالتكنولوجيا، الزراعة، الطاقة
نسبة الرسوم المقترحةحتى 30%بين 10% و30%
فرص التفاوضمنخفضة حتى الآنمتوسطة – عبر وساطة إيطالية وفرنسية
التأثير المتوقع على النموتراجع 0.3% من الناتج المحليتراجع 0.5% حسب توقعات ECB

 معركة جديدة في ساحات الاقتصاد لا السلاح

تمثل هذه الجولة الجديدة من الرسوم الجمركية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أخطر تصعيد تجاري منذ عقد، وتؤكد أن الخلافات العابرة للأطلسي لم تعد محصورة في ملفات سياسية أو دفاعية، بل وصلت إلى عصب الاقتصاد العالمي.

بينما يسعى كل طرف لحماية مصالحه الداخلية، يبدو أن العالم يقف على أعتاب أزمة جديدة تهدد الاستقرار التجاري الدولي. ويبقى الرهان على قدرة الدبلوماسية الاقتصادية في نزع فتيل الأزمة قبل أن تتحول إلى حرب جمركية مفتوحة تؤذي الجميع دون استثناء.

أقرأ أيضاً: أسرار الصفقة الجديدة بين ترامب وأوكرانيا.. صواريخ بعيدة المدى تدخل المعركة

كاتب

  • doaa-alhdad

    دعاء الحداد صحفية ومحررة في موقع الخليج لايف، متخصصة في تحرير الأخبار السعودية والخليجية بدقة واحترافية. تمتلك خبرة طويلة في الصحافة الإلكترونية، وعملت سابقًا في عدة منصات إعلامية مرموقة مثل أخبار العرب، عرب نيوز، ويلا جون. تهتم بتغطية التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في منطقة الخليج، وتتميز بتحرير موضوعي ومهني يعكس فهمًا عميقًا للمشهد الإخباري الخليجي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!