وزير الصحة الهندي يختتم زيارته إلى السعودية باتفاقيات متعددة
شهدت المملكة العربية السعودية زيارة تاريخية لوزير الصحة الهندي، توجت بتوقيع سلسلة اتفاقيات استراتيجية من شأنها أن تعيد رسم ملامح التعاون الصحي والزراعي والصناعي بين الرياض ونيودلهي. وتحمل هذه الزيارة أبعادًا تتجاوز المجال الطبي، لتصل إلى قطاعات حيوية مثل الأسمدة والاستثمارات المتبادلة، مما يؤكد على تحول نوعي في العلاقات الثنائية بين البلدين. وبرز اسم وزير الصحة الهندي في صدارة الأحداث، نظرًا لدوره المحوري في دفع هذه الشراكات إلى مستويات غير مسبوقة.
اتفاقية ضخمة لتوريد 3.1 مليون طن متري من DAP: تعزيز الأمن الغذائي الهندي
في خطوة وصفها مراقبون بأنها استراتيجية بعيدة المدى، وقعت شركتا “IBHCO” السعودية و”CIL” الهندية اتفاقية طويلة الأمد لتوريد 3.1 مليون طن متري سنويًا من سماد فوسفات ثنائي الأمونيوم (DAP) ابتداءً من العام الزراعي 2025-2026. وتمتد الاتفاقية لخمسة أعوام مع إمكانية التمديد لمدة خمس سنوات إضافية بموافقة الطرفين.
وتُعد هذه الاتفاقية نقلة نوعية في مساعي الهند لتأمين احتياجاتها من الأسمدة الحيوية، وسط تصاعد الطلب العالمي على المنتجات الزراعية. ويُتوقع أن تُساهم هذه الخطوة في تعزيز الاكتفاء الذاتي الهندي من مدخلات الإنتاج الزراعي، وتقليل الاعتماد على مصادر متعددة غير مستقرة. كما تشير التقديرات الأولية إلى أن هذه الاتفاقية ستغطي نحو 35% من إجمالي واردات الهند من DAP.
توسيع الشراكة لتشمل اليوريا والأسمدة المتخصصة: خارطة جديدة للتعاون الزراعي
لم تقتصر الاتفاقيات الموقعة على DAP فقط، بل شملت التزامات بتوسيع التعاون ليشمل أسمدة رئيسية أخرى، مثل اليوريا والأسمدة المتخصصة. وتهدف هذه المبادرة إلى بناء سلاسل إمداد أكثر مرونة واستدامة، كما تم الاتفاق على بحث سبل إنتاج تركيبات مخصصة تناسب طبيعة التربة الهندية والمناخ المحلي.
ويعكس هذا التوجه إدراكًا متزايدًا من الجانبين لأهمية التخصيص في مجال الزراعة، بما يعزز الإنتاجية الزراعية ويرفع من كفاءة استخدام الموارد. وأعرب وزير الصحة الهندي عن تطلعه إلى شراكة علمية وتقنية طويلة الأمد، تُمكن من تطوير حلول زراعية محلية تلبي احتياجات المزارعين الهنود.
أقرأ أيضًا: تباين الأسهم الخليجية يربك الأسواق.. المؤشر السعودي يتراجع وسط ضبابية المشهد المالي
الاستثمارات المشتركة في قطاع الأسمدة فرص واعدة ومصالح متبادلة
من أبرز نتائج الزيارة تشكيل فريق عمل مشترك برئاسة وكيل وزارة الأسمدة الهندية ونائب وزير التعدين السعودي، لاستكشاف فرص الاستثمار طويلة الأمد في صناعة الأسمدة السعودية. وتسعى الهند من خلال هذه الخطوة إلى توطين جزء من إنتاجها عبر الاستثمار المباشر، بينما ترى المملكة في هذا التعاون فرصة لجذب رؤوس أموال أجنبية إلى قطاعها الصناعي.
ووفقًا لمصادر اقتصادية مطلعة، فإن حجم الاستثمارات المتوقعة خلال السنوات الخمس المقبلة قد يتجاوز حاجز المليار دولار أمريكي، مع تركيز على بناء مصانع أسمدة مشتركة تستخدم الموارد الطبيعية السعودية والخبرة الفنية الهندية. كما يُتوقع أن توفر هذه المشاريع مئات فرص العمل في كلا البلدين.
التعاون البحثي في تطوير أسمدة مستدامة الابتكار في صلب الشراكة
شمل جدول أعمال الوزير الهندي مباحثات حول التعاون في البحث والتطوير بين مراكز الابتكار في البلدين، لا سيما في مجالات إنتاج الأسمدة البديلة والمستدامة. ويأتي هذا التوجه في ظل التحديات البيئية المتزايدة، وضرورة تقليل الأثر الكربوني للصناعات الزراعية.
وصرّح مسؤولون سعوديون بأن المملكة تُرحب بتبادل الخبرات مع المعاهد الهندية الرائدة، خاصة في مجالات مثل النانو-تكنولوجيا والأسمدة الذكية. وقد تم الاتفاق مبدئيًا على تمويل مشترك لعدد من المشاريع البحثية، على أن تبدأ المرحلة الأولى منها خلال الربع الأول من عام 2026.
أبعاد استراتيجية للزيارة ما بعد الصحة نحو التحالف الاقتصادي الشامل
رغم أن الزيارة حملت طابعًا صحيًا في ظاهرها، إلا أن مضمونها يتجاوز ذلك ليشمل تحالفًا اقتصاديًا شاملًا بين أكبر ديمقراطية في آسيا وأقوى اقتصاد في المنطقة العربية. ويُنظر إلى التحركات التي قادها وزير الصحة الهندي باعتبارها مؤشرًا على دور متنامٍ لنيودلهي في أمن الغذاء العالمي.
كما تُمهد هذه الزيارة الطريق أمام تعاون أوسع في مجالات مثل الطاقة المتجددة، التحول الرقمي، والرعاية الصحية الذكية، وهو ما يتماشى مع رؤية السعودية 2030 واستراتيجية الهند للنمو المستدام. وتؤكد مصادر مطلعة أن هذه الشراكة ستُترجم إلى لجان عمل دائمة ولقاءات دورية بين الوزارات والقطاع الخاص.
تحولات جوهرية في التجارة الزراعية بين الهند والسعودية
من المتوقع أن تُحدث هذه الاتفاقيات تحولات جوهرية في نمط التجارة الزراعية بين البلدين، حيث يُرجح أن تصبح السعودية مزودًا رئيسيًا للهند في الأسمدة، مقابل توسيع الأخيرة لتوريد منتجات زراعية متقدمة مثل الأرز العضوي والتوابل عالية الجودة.
كما تشير مؤشرات السوق إلى نمو متوقع في الطلب على DAP بنسبة 4% سنويًا في الهند حتى عام 2030، مما يجعل الاتفاقيات الموقعة اليوم حجر الأساس في تأمين هذا الطلب. ويُنتظر أن تلعب السعودية دورًا محوريًا في تلبية هذا النمو، بفضل بنيتها التحتية الصناعية المتطورة.
في النهاية
جاءت زيارة وزير الصحة الهندي إلى السعودية لتُجسد تحولًا في مفهوم الدبلوماسية الصحية، حيث تجاوزت الملفات التقليدية لتشمل قضايا الأمن الغذائي والاستثمار والتكنولوجيا. ومن شأن الاتفاقيات الموقعة أن تُعيد تشكيل علاقات التعاون بين الرياض ونيودلهي، بما يخدم استراتيجيات النمو في البلدين، ويُعزز من استقرارهما الاقتصادي والبيئي على المدى الطويل.
أقرأ أيضًا: كيف عبّر خادم الحرمين وولي العهد عن عزائهما لرئيس نيجيريا في وفاة محمد بخاري؟