مال وأعمال

هل تغيّر الاقتصاد والسياحة مفهوم استراحات سائقي التوصيل بعد جولتها الأخيرة؟

تشهد استراحات سائقي التوصيل في دولة الإمارات تحولًا كبيرًا مع تزايد الاهتمام الرسمي والخاص بتعزيز ظروف العمل لهذه الفئة الحيوية من القوى العاملة. وفي خطوة لافتة، قام وزير الاقتصاد والسياحة، عبدالله بن طوق المري، بزيارة ميدانية لعدد من هذه الاستراحات، في جولة أثارت العديد من التساؤلات حول مستقبل هذه المحطات. فهل تُعيد هذه الزيارة رسم مفهوم استراحات سائقي التوصيل؟ وكيف يمكن لهذا الاهتمام أن ينعكس إيجابًا على راحة وسلامة آلاف العاملين في مجال التوصيل؟ في هذا المقال نغوص في تفاصيل هذه المبادرة، ونسلط الضوء على أبرز الجهود الحديثة والمبادرات المؤثرة في هذا القطاع.

هل تغيّر الاقتصاد والسياحة مفهوم استراحات سائقي التوصيل بعد جولتها الأخيرة؟

واقع استراحات سائقي التوصيل في الإمارات

تشكل استراحات سائقي التوصيل في الإمارات عنصرًا حيويًا في البنية التحتية اللوجستية للمدن الكبرى، مثل دبي وأبوظبي والشارقة. ومع ارتفاع درجات الحرارة صيفًا، يبرز التحدي الأكبر في تأمين أماكن مريحة وآمنة تتيح للسائقين فرصة للراحة وإعادة الترطيب.

حسب إحصائيات حديثة من هيئة الطرق والمواصلات في دبي، يتجاوز عدد سائقي التوصيل العاملين في الدولة 70,000 سائق. يعمل هؤلاء على مدار اليوم، ويقضون فترات طويلة تحت الشمس أثناء التنقل بين المناطق لتوصيل الطلبات، مما يجعل توفير استراحات مجهزة ضرورة ملحة وليست رفاهية.

شهدت السنوات الأخيرة ظهور استراحات تقليدية غير مجهزة، لكن مع تصاعد شكاوى السائقين ومطالبات بتحسين أوضاعهم، بدأت شركات التوصيل الكبرى باتخاذ خطوات عملية لتحسين البنية التحتية الخاصة بهم.

أقرأ أيضًا: وول ستريت تحت الضغط بعد رسوم ترامب على الاتحاد الأوروبي والمكسيك

كريم تعيد إطلاق مبادرة صيفية لتحسين بيئة العمل

في صيف 2025، بادرت شركة كريم، بالتعاون مع مبادرة “مجرى”، إلى إعادة إطلاق برنامجها الصيفي المخصص لدعم موظفي التوصيل. البرنامج يشمل أكثر من 60 ألف موظف، ويهدف إلى تقديم خدمات متكاملة تتعدى الراحة الجسدية لتشمل السلامة النفسية والعملية كذلك.

تشمل المبادرة:

  • محطات استراحة متنقلة ومكيفة موزعة في مواقع استراتيجية.
  • محطات مستدامة تعمل بالطاقة الشمسية لتقليل البصمة الكربونية.
  • توفير مياه شرب ومشروبات مرطبة مجانًا.
  • توفير الإنترنت المجاني في مواقع الاستراحات.

وتُعد هذه الخطوة امتدادًا لاستراتيجية كريم في تقديم بيئة عمل داعمة ومحفزة، ما يعكس رؤيتها لدمج الاستدامة والابتكار في العمليات التشغيلية.

دعم حكومي متزايد لتحسين أوضاع السائقين

زيارة وزير الاقتصاد والسياحة عبدالله بن طوق المري ليست مجرد زيارة بروتوكولية، بل تمثل اعترافًا رسميًا بأهمية هذا القطاع وضرورة تحسين ظروف العاملين فيه. تأتي هذه الزيارة ضمن أجندة أوسع تهدف لتعزيز المسؤولية المجتمعية عبر الصندوق الوطني “مجرى”، وتفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

وصرّحت جهات رسمية أن الوزارة تخطط لمتابعة جودة هذه المحطات من خلال جولات تفتيش دورية، وتقييم مستوى الراحة والخدمات المقدمة للسائقين. كما تم التلميح إلى إمكانية فرض معايير إلزامية مستقبلية على شركات التوصيل لضمان توفر الاستراحات.

شركات التوصيل الأخرى “طلبات” و”نون” في الصورة

لم تكن كريم وحدها في الساحة؛ بل أبدت شركات مثل “طلبات” و”نون” اهتمامًا متزايدًا بتحسين استراحات سائقي التوصيل. حيث أفادت مصادر داخلية أن “طلبات” بدأت بالفعل في اختبار استراحات ذكية مجهزة بأنظمة تبريد ذاتية وتسجيل دخول رقمي للسائقين.

أما “نون”، فقد أعلنت عن خطة لتدشين 25 محطة استراحة جديدة في إمارات مختلفة بحلول نهاية 2025، تعتمد بالكامل على مصادر الطاقة المتجددة، وتوفر خدمات صحية أساسية كأجهزة قياس الضغط وموزعات تعقيم.

وتشير هذه التطورات إلى دخول شركات التوصيل في سباق إيجابي لتقديم الأفضل لسائقيها، مما يعزز من ثقة العملاء ويزيد من ولاء السائقين.

أهمية استراحات سائقي التوصيل في ظل تغير المناخ

تأتي هذه التحركات في ظل ارتفاع درجات الحرارة العالمية وتزايد تحديات التغير المناخي، مما يفرض مسؤولية إضافية على الشركات والحكومات لتوفير بيئة عمل إنسانية وآمنة. في الإمارات، قد تتجاوز درجات الحرارة خلال الصيف 48 درجة مئوية، وهو ما يشكل خطرًا مباشرًا على صحة السائقين.

توفير استراحات مجهزة لا يعني فقط تقليل الإجهاد الحراري، بل يساهم أيضًا في رفع كفاءة العمل وتقليل أخطاء التوصيل وحوادث السير الناتجة عن الإرهاق.

وتشير أبحاث من معهد الصحة المهنية الدولي إلى أن توفير 20 دقيقة من الراحة في بيئة مكيفة كل ساعتين يقلل من معدلات الإرهاق بنسبة تصل إلى 40%.

 هل تصبح استراحات سائقي التوصيل جزءاً من البنية التحتية الحضرية؟

مع الزخم الكبير حول تحسين استراحات سائقي التوصيل، بدأت تظهر دعوات لإدماج هذه المحطات ضمن المخططات العمرانية للمدن الكبرى، كما هو الحال مع محطات الحافلات والمترو.

ويؤكد خبراء أن وجود شبكة متكاملة من استراحات السائقين يعزز من مرونة خدمات التوصيل، ويُقلل من الضغط على مرافق المدن. بل ذهب البعض إلى اقتراح دمج خدمات إضافية في هذه المحطات، مثل أكشاك صحية متنقلة، أو خدمات طبية طارئة.

ومع دخول تقنيات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، يمكن ربط هذه المحطات بأنظمة مراقبة الطقس وجدولة المهام، لضمان توزيع عادل وفعّال للسائقين حسب الأحوال الجوية ومستوى الطلب.

في النهاية

أثبتت زيارة وزير الاقتصاد والسياحة الأخيرة أن ملف استراحات سائقي التوصيل لم يعد هامشيًا، بل أصبح جزءًا من السياسات الاقتصادية والاجتماعية للدولة. ومع تزايد التعاون بين الجهات الحكومية وشركات التوصيل، من المتوقع أن نشهد تحوّلًا نوعيًا في طريقة التعامل مع هذا القطاع.

استراحات سائقي التوصيل لم تعد مجرد مكان للاستراحة، بل أصبحت رمزًا لاحترام العامل، وضمانًا لجودة الخدمة، وعنوانًا لحضارة تُعلي من كرامة الإنسان. والمستقبل يحمل الكثير من الفرص لمزيد من الابتكار، والاهتمام، والتوسع في هذا الاتجاه.

أقرًا أيضًا: ترامب يتوعد حلفاء روسيا برسوم 100% خلال 50 يومًا لإنهاء حرب أوكرانيا.. هل ينجح التهديد؟

كاتب

  • doaa-alhdad

    دعاء الحداد صحفية ومحررة في موقع الخليج لايف، متخصصة في تحرير الأخبار السعودية والخليجية بدقة واحترافية. تمتلك خبرة طويلة في الصحافة الإلكترونية، وعملت سابقًا في عدة منصات إعلامية مرموقة مثل أخبار العرب، عرب نيوز، ويلا جون. تهتم بتغطية التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في منطقة الخليج، وتتميز بتحرير موضوعي ومهني يعكس فهمًا عميقًا للمشهد الإخباري الخليجي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!