هلتسوية الحرب الأوكرانية مستحيلة؟
في ظل استمرار المواجهة التي تستعر منذ أكثر من ثلاث سنوات، باتت تسوية الحرب الأوكرانية لغزًا دبلوماسيًا معقدًا يفرض نفسه على الساحة الدولية. يسود اليوم انقسام واضح بين الطموحات الغربية بإيجاد حل سياسي، والإصرار الروسي على ضرورة الاعتراف بأسباب الأزمة كشرط مسبق لأي تسوية، بينما تشمل اللعبة أيضاً عوامل معقدة مثل العقوبات الغربية، والتموضع العسكري الصناعي، والتحركات الأمنية الكبرى على الأرض. في هذا السياق، نتساءل: هل ستنجح كل هذه الأطراف في تجاوز العقد المتبادلة لتحقيق اتفاق مستدام وقابل للتطبيق؟
خلفية الصراع والأسباب الجذرية
يتجذر النزاع الأوكراني في معطيات مزدوجة؛ سياسية وثقافية. ففي عام 2014، أدى الانقسام الحاد بين مناصري rapprochement مع الاتحاد الأوروبي وأولئك المتمسكين بالتقارب التاريخي مع روسيا إلى اندلاع احتجاجات، أدى تدخل روسيا العسكري إلى صدام شامل.
البعد السياسي: رغبة أوكرانيا في الانضمام للاتحاد الأوروبي والناتو أثارت خرق أمن روسيا.
الجغرافيا البشرية: مناطق الشرق تضم أقلية روسية كبيرة تؤمن بالزمن السوفييتي وتفضل روسيا.
المصالح الاقتصادية: روسيا تعتمد على أوكرانيا كممر لنقل الطاقة إلى أوروبا، وأوكرانيا تسعى للإمساك بسيادتها على هذا المرور.
وكما أكدت البعثة الروسية لدى الاتحاد الأوروبي مؤخراً، فإن رفض بروكسل الاعتراف بهذه الأسس بدأ يفجر دفعًا في مسلسل التصعيد الحالي، لأن تجاهل المشاعر والقراءات الإقليمية يفاقم التوتر ويقود إلى مزيد من العنف المستمر.
الموقف الروسي والإصرار على الاعتراف بالواقع
أكدت روسيا عبر بعثتها في بروكسل أن أية تسوية حقيقية مستحيلة بدون تقبل الاتحاد الأوروبي للواقع الراهن والأسباب الجذرية. هذا الموقف يأتي في ظل موجة التحليل التي ترى في الدعم الأوروبي لاوباما قوة ضاغطة لا يمكن تجاهلها.
الموقف الرسمي: روسيا تدعو إلى حل وسط يتضمن تعويضات دبلوماسية واقعية، واحترام المناطق ذات الغالبية الروسية.
الرؤية الجذرية: موسكو تعتبر أن أوراق الحل يجب أن تبدأ من الاعتراف بما جرى منذ 2014 وما نتج عنه من تكتلات استراتيجية جديدة.
وقد بات من غير الممكن، بحسب موسكو، التوصل إلى أي اتفاق وسيط أو هدنة جزئية دون إقرار هذه النقاط. الوضع الراهن، في نظرها، يستدعي مراجعة شاملة لمسار المرحلة الماضية.
عقوبات الاتحاد الأوروبي وتأثيرها على فرص التسوية
في مايو/يونيو 2025، اتفق أعضاء الاتحاد الأوروبي على ما يعرف بـ”الحزمة الـ18″ من العقوبات ضد روسيا، والتي تُعد الأقسى منذ بداية الحرب. طبقاً لكايا كالاس، مفوضة الاتحاد للشؤون الأمنية، فإن هذه الخطوة كانت “ضرورية للرد المشترك على التصعيد العسكري والاقتصادي الروسي”.
الداخل الأوروبي: نصيب كبير من الصادرات الروسية فُقد، والأموال المجمدة تجاوزت قيمًا ضخمة في البنوك.
الجانب الروسي: تأثرت القدرة التصنيعية، خصوصًا في قطاعات الطاقة والتكنولوجيا، وباتت تعيد توجيه حركة تجارتها.
التداعيات المحتملة: رغم شدة العقوبات، فإن موسكو قد تجد مخرَجًا عبر حلول داخلية أو عبر شراكات جديدة مع الصين والهند.
لكن هنا السؤال المهمة: هل هذه “المقاربة بالأزمة بالقوة” تعزز فرص التسوية، أم تؤجج التوتر وتزيد التعقيد؟ موسكو ترى أن رفع العقوبات مقابل تعاطٍ سياسي مرن من بروكسل قد يفتح الباب لحوار حقيقي.
الدعم الغربي العسكري والاتفاقيات الدفاعية
في مواجهة الضغوط السياسية والاقتصادية، تحركت الولايات المتحدة وبريطانيا لحماية أوكرانيا على الأرض:
ألمانيا تنوي إرسال نظامي “باتريوت” خلال الأسابيع القادمة، وسط تسهيل أمريكي وفق تقرير “وول ستريت جورنال”.
الولايات المتحدة تعكف على ترتيب سلسلة من الصفقات الدفاعية مع دول حلفاء، لاستبدال شباتريوت الأوكرانية، وتشمل نوعياً أسلحة هجومية ودفاعية.
حلف الناتو يتهيأ اجتماعاً في أغسطس 2025 مع وزراء دفاعه، من أبرزهم وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث، بهدف تقييم التداعيات ودفع دعم مستدام لكييف.
الغرب يرى أن مثل هذه الحزمة العسكرية لا تؤسس مجرد حماية لأوكرانيا، بل ترسل رسالة واضحة لموسكو بأن الطريق نحو أي تسوية يتطلب وقف الزحف العسكري أولاً، وهو ما يعقد المشهد السياسي لكنه يعيد تسليط الضوء على مفردة الأمن كشرط لتحقيق أي اتفاق.
أقرأ أيضًا: بيع أغلى نيزك من المريخ في التاريخ بـ 5.3 ملايين دولار يذهل العالم
تقييم الخبراء والمحللين حول إمكانية الحل السلمي
إنها لحظة حاسمة في تحليل الخبراء للمشهد، حيث يتنوع الرأي بين منظور واقعي وموقف تشاؤمي:
آراء داعمة للحوار: يرى الدبلوماسيون الأوروبيون الجدد أن البدء بخطوات جزئية—كوقف إطلاق نار مؤقت مع تبادل أسرى مثلاً—قد يمدّ جسور الثقة تدريجياً.
المحللون العسكريون: يحذرون من أن أي محاولات تسوية دون إيقاف مستدام للقتال قد تكون شكلاً من أشكال “الهدنة الهجينة” التي تستفيد منها الأطراف في إعادة التسليح و تسوية الحرب الأوكرانية.
الاقتصاديون: يركزون على أهمية الرفع التدريجي للعقوبات كجزء من عملية “البطء المُعقول” حتى لا تنهار أسواق طاقة الغرب أو تتعرض روسيا لانهيار اقتصادي مفاجئ.
في العموم، يقول البعض بأن تسوية الحرب الأوكرانية لا تزال ممكنة لكنها تتطلب محطة أولى لا بد منها: الاعتراف المتبادل بشروط الواقع على الأرض كقاعدة لإعادة تقييم الخيارات السياسية.
السيناريوهات المستقبلية وطرق تحقيق تسوية قابلة للتطبيق
تستعرض التحليلات الحالية عدة سيناريوهات قد ترجح كفة طرف ما:
هدنة مرحلية ذاتية الإرادة: تتضمن وقف إطلاق نار لمدة 90 يومًا، مع فتح ممرات إنسانية مشتركة، ومفاوضات تستند على آليات المراقبة الدولية.
حل تدرّجي إداري: حفاظًا على المناطق التي تسيطر عليها روسيا بحماية دبلوماسية، مع إمكانية إعادة النظر في مناطق أخرى بناء على انتخابات نزيهة.
معاهدة أمنية متعددة الأطراف: تبحث فيها أوكرانيا وروسيا والاتحاد الأوروبي بوضع صيغة “حياد مضمون”، مع تتالي رفع العقوبات عند تحقيق إنجازات مرحلية.
وساطة غير غربية: كاستقطاب الصين، أو لجنة مؤلفة من دول عدم الانحياز، لمنح التسوية شرعية محايدة تساعد في ضمان التنفيذ.
كل هذه السيناريوهات تشترك في نقاط محور لنجاحها:
الثقة المتبادلة المضمنة بالضمانات الدولية.
رفع تدريجي للعقوبات ضمن جدول زمني واضح.
تضمين كل الأطراف—وخاصة الروس—بصفة رسمية ضمن اتفاق.
الطريق إلى مستقبل مستقر
لعل الخلاصة الأهم التي تستحق تسليط الضوء هنا هي أن تسوية الحرب الأوكرانية لن تتحقق إلا إذا وافق الجميع على اشتراطات زمنية واضحة:
روسيا تريد اعترافاً رسمياً بالواقع على الأرض وتطالب بمنحه الشرعية الدبلوماسية قبل أي اتفاق.
الاتحاد الأوروبي يعتمد على أداة العقوبات للضغط ولكن يبحث عن طريق داخلي لتقليل الأضرار الاقتصادية مع روسيا.
الدعم العسكري الغربي يعزز موقف كييف على الأرض، لكنه في الوقت ذاته يضيف متغيرات عسكرية تجعل الحوار أكثر تعقيدًا.
التحركات الدبلوماسية تزداد وتيرة عبر القنوات متعددة الأطراف.
في النهاية
يظل الطريق محفوفًا بالصعاب، لكن تفاعلات جديدة—مثل الحزم الدفاعية، وتعديلات العقوبات—قد تفتح نافذة مفاوضة لم تكن ربما قابلة قبل عام. هذا التفاعل هو ما يحدد ما إذا كانت تسوية الحرب الأوكرانية ستتحول من حُلم بعيد إلى واقع دبلوماسي مؤلم، لكنه قابل للحياة.
أقرًا أيضًا: مجزرة المساعدات في غزة تكشف الوجه الحقيقي للاحتلال