أخبار العالم

الذكاء الاصطناعي يضرب الإعلام الفرنسي… هل تكون مجلة لوبوان أول الضحايا؟

تعيش صحيفة لوبوان الأسبوعية الفرنسية، واحدة من أعرق المؤسسات الإعلامية في باريس، أزمة تعتبر علامة تحوّل غير مسبوقة. قررت إدارتها الاعتماد على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في تحرير وإنتاج المحتوى الصحفي، ما يُفضي إلى تسريح 52 موظفًا، خاصة من فريق التصحيح اللغوي والمحررين. الإدارة تُبرّر الخطوة بتراجع عدد القراء واتخاذها حزمة من الإجراءات لإنقاذ الوضع المالي. لكن هذه الظاهرة تتجاوز لوبوان، وتنذر بمرحلة جديدة يواجه فيها الإعلام التقليدي تحديًا وجوديًا: هل الذكاء الاصطناعي مُكمّل أم بديل؟ وهل إخراج الصحفيين من غرفة التحرير سيرفع جودة الصحافة أو يخنقها؟

هذا الإجراء أصاب الوسط الإعلامي في قلبه. فهو ليس مجرد تغيير في نظام عمل صحيفة، بل إعلان عن صراع بين العقل الصناعي وتراثنا التحريري. ووسط هذا الجدل، تتساءل الصحافة العالمية: هل لوبوان ستكون أول المجلات التي تحكي قصتها عبر ذكاء اصطناعي؟ الجواب سيكون معتمدًا في مدى قدرة المؤسسات على دمج التقنية دون التضحية بالجودة والمصداقية.

الذكاء الاصطناعي يضرب الإعلام الفرنسي... هل تكون مجلة لوبوان أول الضحايا؟

 تراجع لوبوان المالي

حسب بيانات حديثة نُشرت في تقارير داخلية لـلوبوان، فقد فقدت المجلة نحو 25% من جمهور قرّائها خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ما نتج عنه تراجع الاشتراكات من 100 ألف إلى 50 ألف مشترك. هذا النصف المفقود له تبعات واضحة:

  • انخفاض 40% في العائدات الإعلانية التي تعتمد على عدد القراء.
  • تكبّدها نفقات طباعة وتوزيع أعلى مما كانت قادرة على تحمّله.
  • التوقّف عن مشاريع تطوير رقمية كانت تحت إدارة معدّلة بتكاليف عالية.

اضطرت إدارة لوبوان لإطلاق خطة “إصلاح شامل“ تشمل تقليص النفقات عبر تخفيض القوى العاملة، وتحويل جزء من التحرير إلى الذكاء الاصطناعي، لتقليل أعباء رواتب موظفي التصحيح والمحتوى. يجري تفعيل الخطة تحت قيادة المدير العام إتيان جيرنيل، الذي أشار إلى ضرورة هذا التغيير للبقاء “حيًا وفعالًا“ في عالم الإعلام المتقلّب.

لكن القلق يتنامى: كيف سيؤثر الذكاء الاصطناعي على جوهر الصحافة؟ لا يخلو التحول الرقمي من فوائده وهو لا مفرّ منه، لكن هل يكون هذا النموذج قادرًا على أن يحلّ محل العقل البشري في سرد القصص وفهمنا للواقع؟ هذا هو قلب التحدي، وهو ما سنناقشه في الأقسام القادمة.

دوافع الإدارة لاعتماد الذكاء الاصطناعي

دفعت لوبوان لتبنّي الذكاء الاصطناعي دوافع حاسمة:

  1. خفض التكاليف التشغيلية: بالأرقام، الموظف في فرنسا قد يكلف المتوسط السنوي ما يقارب 50–60 ألف يورو، قبل الاشتراكات الاجتماعية. تسريح 52 موظفًا يوفر ما لا يقل عن 3 ملايين يورو سنويًا، كما أكّد جيرنيل.
  2. التسريع في إنتاج المحتوى: تستطيع الخوارزميات توليد مسودات الأخبار في ثوانٍ، مقارنة بساعات يصلها الموظفون. يستهدف هذا تحديدًا تملك لوبوان سرعة التغطية الرقمية.
  3. تحسين جودة الذكاء: بالخوارزميات المدعومة ببيانات كبيرة، يمكن اكتشاف الأخبار المزيفة أولاً والتعامل معها قبل صدورها. ربط المحتوى بالذكاء وسّع على صعيد السلامة التحريرية — لكن، محدوديته تكمن في الأسلوب البشري والإبداع.

في المجمل، الإدارة ترى أن الذكاء الاصطناعي أداة استراتيجية تعزز من مرونة المجلة، وتتيح إعادة توجيه الموارد نحو التحرير النوعي والتوسع الرقمي.

 مقاومة الصحفيين

احتجّ خبراء التحرير في لوبوان بقوة، ورأوا في القرار:

  • تهديداً لمهارات بشرية لا يمكن استبدالها: كالتدقيق اللغوي، وتحرير المقال بأسلوب مميز، ومراجعة المضمون إنسانيًا.
  • فقدان الجوانب الثقافية: الجوهر الصحفي هو الرواية الإنسانية، لا مجرد حقائق وأرقام. ويخشون أن يؤدي التحول – سريعًا – إلى نسخة مبسّطة من المجلة.
  • جانب العاطفة والانتماء الوظيفي: الصحفي المبدع لا يجعل المقال مجرد نقل أخبار، بل يجعل القارئ يعيش التجربة معه. والذكاء الاصطناعي لا يمتلك “النكهة” الشخصية.

أحد المحررين الذين رفض ذكر اسمه سرد: “في الذكاء لا وجود لتجربة شخصية أو أسلوب فني. كلما ضاعت المرآة البشرية، ضاعت الصحافة”.

 هل لوبوان أولى التجارب؟

ليس لوبوان الوحيدة؛ بل سبقتها:

  • Die Welt الألمانية أطلقت خدمة AI لتوليد الأخبار خلال كأس العالم 2022، لكنها عادت وتوقفت بعد ضغوط من النقابة المهنية الاحترافية.
  • BuzzFeed الأمريكية اعتمدت أدوات مؤتمتة لتلخيص نتائج الدراسات، لكن صادقتها مراجعة بشرية نهائية.

في فرنسا، جربت بعض القنوات التقنية روترات آلية لنقل نتائج الانتخابات، لكنها واجهت انتقادات عند وقوع أخطاء في الأرقام. النتيجة: غالبًا ما تختلط التقنية مع النظام المزدوج — الذكاء الاصطناعي + المراجعة البشرية.

 السيناريوهات المستقبلية لصحافة ما بعد لوبوان

ما بين الطموحات وقلق فقدان العمق، تبرز سيناريوهات:

  • سيناريو الانزلاق: حيث تُقصى المراجعة البشرية بالكامل بعد سنوات، وتتخلى المجلات عن موظفيها.
  • النموذج الهجين: ذكاء اصطناعي يقدّم الدعم، والبشر يضعون اللمسات النهائية، خصوصًا في التحقيقات والرؤى.
  • صحافة ذات مهارات جديدة: موظفو المستقبل يحتاجون معرفة في الـ Prompt Writing، تحليل البيانات، والفهم التقني الأساسي.

يبقى الحل الأمثل هو التبني التدريجي لـالذكاء الاصطناعي كجزء ضمن منظومة لا تستغني عن الإنسان.

الإعلام التقليدي × الذكاء الاصطناعي

الجوانبالإعلام التقليديالذكاء الاصطناعي
الأسلوب الإبداعيعالي ومميزمحدود وموصوف
السرعة في النشرساعات – يومثوانٍ – دقائق
التكلفة السنويةمرتفعة بسبب رواتب بشريةأقل لتكلفة خوارزمية
التحقق من الحقائقبشر يحتاج لتحليل ومعرفة سياقيعتمد بيانات سابقة، معرض للخطأ
التخصيص التقنيمحدودعالٍ عبر تحليل الجمهور
المستقبل الوظيفيمهدّد دون تطويرآفاق جديدة تحتاج مهارات مختلفة

 

في النهاية، الإعلام التقليدي ليس في أزمة الذكاء فقط، بل في أزمة الاختيار بين الحضور الإنساني وعلو صوت التقنية. لوبوان اليوم، قد تكون منصة البداية لتوجه سيحدد مستقبل الصحافة للسنوات القادمة.

اقرأ أيضًا: تصريحات البيت الأبيض تفجر جدلاً: هل فقد نتنياهو السيطرة في الملف السوري؟

كاتب

  • doaa-alhdad

    دعاء الحداد صحفية ومحررة في موقع الخليج لايف، متخصصة في تحرير الأخبار السعودية والخليجية بدقة واحترافية. تمتلك خبرة طويلة في الصحافة الإلكترونية، وعملت سابقًا في عدة منصات إعلامية مرموقة مثل أخبار العرب، عرب نيوز، ويلا جون. تهتم بتغطية التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في منطقة الخليج، وتتميز بتحرير موضوعي ومهني يعكس فهمًا عميقًا للمشهد الإخباري الخليجي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!