الخليج اليوم

لماذا انفجرت لوس أنجلوس؟ أسرار الغضب الأميركي تحت الرماد

في مطلع يونيو 2025، تحوّلت شوارع لوس أنجلوس إلى بؤرة توتر سياسي واجتماعي غير مسبوق، حيث اجتاحت المدينة احتجاجات واسعة النطاق ضد السياسات الفيدرالية الخاصة بالهجرة. تصاعدت الأزمة بشكل متسارع نتيجة التوتر بين الحكومة المحلية والاتحادية، وسط اتهامات باستخدام القوة المفرطة وتوظيف الجيش لقمع المظاهرات. في هذا التقرير، نستعرض الخلفيات الديموغرافية، السياقات السياسية، الانعكاسات القانونية، والتحولات الاجتماعية التي قادت إلى هذا الانفجار.

الوضع الديموغرافي وتأثيره على التحولات الاجتماعية في لوس أنجلوس

تعد لوس أنجلوس من أكثر المدن تنوعًا عرقيًا في الولايات المتحدة، ويشكل اللاتينيون نحو 48.6% من السكان، بينما تزيد نسبة المهاجرين عن الثلث. هذا التنوع العرقي جعل من المدينة مركزًا حساسًا تجاه أي تغييرات في سياسات الهجرة.

في السنوات الأخيرة، تبنت المدينة سياسات المدن الملاذ، التي تهدف إلى حماية المهاجرين غير النظاميين من الاعتقال الفيدرالي. ومع عودة الرئيس دونالد ترامب إلى سدة الحكم في ولايته الثانية، تصاعدت الهجمات السياسية على هذه السياسات، واعتبرتها إدارته بمثابة تحدٍّ مباشر للسلطة الفيدرالية.

التوزيع الديموغرافي غير المتوازن بين الطبقات الاجتماعية والعرقية في لوس أنجلوس أدى إلى شعور متنامٍ بعدم الأمان، خصوصًا في الأحياء ذات الأغلبية اللاتينية، مما سهّل اندلاع احتجاجات حاشدة.

السياسات الفيدرالية الجديدة المتعلقة بالهجرة وتبعاتها الأمنية

شهدت الأيام الأولى من يونيو 2025 تطبيقًا واسعًا لحملات الاعتقال التي تقودها وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك (ICE)، والتي بلغ متوسط الاعتقالات فيها 2000 شخص يوميًا، مقارنة بمتوسط 311 حالة يومية في عام 2024.

اعتمدت السلطات الفيدرالية في تنفيذ تلك الحملات على وحدات شبه عسكرية، يرتدي عناصرها أقنعة ولا يحملون شارات تحدد هويتهم. وقد أثار هذا الأمر موجة من القلق داخل المجتمعات المحلية، حيث شعرت الأسر المهاجرة أنها مستهدفة بشكل مباشر، ما عزز من مشاعر العداء تجاه الحكومة المركزية.

الرسائل السياسية من البيت الأبيض كانت واضحة: لا ملاذات بعد اليوم. وبهذه العبارة أُعلن رسميًا أن المدن التي لا تتعاون مع سلطات الهجرة ستواجه تدابير صارمة.

لماذا انفجرت لوس أنجلوس؟ أسرار الغضب الأميركي تحت الرماد

نشر القوات الفيدرالية في لوس أنجلوس وردود الأفعال المحلية

أدى تصاعد التوتر إلى إصدار أوامر رئاسية بنشر وحدات من الحرس الوطني والبحرية في مدينة لوس أنجلوس، وهو ما قوبل برفض قاطع من مسؤولي الولاية.

تمركزت القوات الفيدرالية في وسط المدينة والمناطق التي شهدت أعنف الاحتجاجات، مستخدمة عربات مدرعة وطائرات مسيّرة لرصد التحركات. ورغم نفي السلطات الفيدرالية وجود نية لقمع الحريات، فإن المواطنين اعتبروا هذه الخطوة بمثابة عسكرة للمدينة.

حاكم كاليفورنيا غافين نيوسوم وصف القرار بأنه “احتلال غير مبرر”، وأعلن أن الولاية ستقاوم محاولات فرض السيطرة الفيدرالية عليها دون تنسيق قانوني.

الانعكاسات القانونية والدستورية لتدخل الحكومة المركزية

رفعت ولاية كاليفورنيا دعوى قضائية ضد الحكومة الفيدرالية، متهمة إياها بتجاوز صلاحياتها الدستورية. استندت الدعوى إلى أن نشر القوات داخل الولايات دون طلب رسمي من الحاكم يمثل انتهاكًا للمادة العاشرة من الدستور الأميركي.

قانونيًا، تستند الإدارة الفيدرالية إلى قانون التمرد لعام 1807، الذي يتيح للرئيس نشر قوات فيدرالية في حال تعذر السيطرة على أعمال الشغب. غير أن الجدل يدور حول مدى انطباق هذا القانون على ما يحدث في لوس أنجلوس، خاصة أن الاحتجاجات كانت سلمية في بداياتها.

الخلاف القانوني بين واشنطن وساكرامنتو مرشح للتصعيد، وقد يتحول إلى أزمة دستورية مفتوحة في حال استمرت عمليات النشر دون موافقة محلية.

تصاعد الاحتجاجات الشعبية وتحولات الخطاب الحقوقي

بدأت الاحتجاجات كرد فعل على حملات الترحيل، لكنها سرعان ما تحولت إلى مظاهرات شاملة ضد إدارة ترامب وسياساته. انضمت إلى المظاهرات نقابات عمالية، وجمعيات حقوقية، وطلاب جامعات، ما أضفى طابعًا وطنيًا على الحراك.

شهدت المظاهرات استخدامًا واسعًا لوسائل التواصل الاجتماعي، حيث انتشرت دعوات للنزول إلى الشارع بلغات متعددة، أبرزها الإسبانية والإنجليزية. وتم تداول مقاطع مصوّرة توثق اعتقالات عنيفة قامت بها القوات الفيدرالية، ما زاد من حدة الغضب الشعبي.

الخطاب الحقوقي الجديد بات يتجاوز موضوع الهجرة، ليركّز على مفهوم العدالة الاجتماعية، وحق المجتمعات في تقرير مصيرها داخل المدن الأميركية.

التداعيات الاقتصادية والسياسية على مستوى المدينة والدولة

تسببت الاحتجاجات وأعمال العنف في شلل اقتصادي نسبي في لوس أنجلوس، خاصة في قطاعات الخدمات والسياحة. أغلقت العديد من الشركات أبوابها، فيما أُلغيت فعاليات رياضية وثقافية مهمة.

على المستوى السياسي، ظهرت انقسامات داخل الحزب الجمهوري نفسه، حيث عبّر بعض أعضائه في كاليفورنيا عن تحفظاتهم تجاه عسكرة السياسة الداخلية. كما أعاد الديمقراطيون طرح مشروع قانون يمنع استخدام القوات الفيدرالية في الولايات دون موافقة الحاكم.

أما دوليًا، فقد واجهت الولايات المتحدة انتقادات واسعة من منظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة، التي طالبت بإعادة تقييم إجراءات الهجرة وضمان احترام حقوق الإنسان.

الخاتمة

أحداث لوس أنجلوس ليست مجرد انفجار محلي، بل مؤشر على صراع بنيوي بين السلطة الفيدرالية والمجتمعات المحلية، بين السيادة الدستورية والعدالة الاجتماعية. مع استمرار التوتر، تبقى الأسئلة مفتوحة حول مستقبل العلاقة بين واشنطن ومدنها المتعددة، ودور لوس أنجلوس كمختبر.

اقرأ ايضاً: استقبال الحجاج في المدينة المنورة.. استعدادات مكثفة وخدمات استثنائية بانتظار ضيوف الرحمن

كاتب

  • doaa-alhdad

    دعاء الحداد صحفية ومحررة في موقع الخليج لايف، متخصصة في تحرير الأخبار السعودية والخليجية بدقة واحترافية. تمتلك خبرة طويلة في الصحافة الإلكترونية، وعملت سابقًا في عدة منصات إعلامية مرموقة مثل أخبار العرب، عرب نيوز، ويلا جون. تهتم بتغطية التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في منطقة الخليج، وتتميز بتحرير موضوعي ومهني يعكس فهمًا عميقًا للمشهد الإخباري الخليجي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!