مال وأعمالأخبار العالم

قمة أبوظبي للمناخ تدفع بثورة التمويل المستدام: الطريق نحو غدٍ أخضر واقتصاد جديد

في 26 يونيو 2025، أضاءت العاصمة الإماراتية أبوظبي بمنصة عالمية جديدة: قمة أبوظبي للمناخ، التي استضافها مصرف الإمارات المركزي تحت رعاية سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان. الهدف؟ تعميق التحول نحو نظام مالي مستدام يعزز من مرونة الاقتصاد في مواجهة المخاطر المناخية. شارك في الحدث مسؤولون دوليون ومحليون، وخبراء، وقيادات مصرفية، لتبادل الأفكار والالتزامات. في وقت تتسابق فيه الدول لتحقيق الأهداف المناخية الطموحة، كانت أبوظبي على الموعد لإطلاق مسارات مالية جديدة تطمح لتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050. فما الجديد في هذه القمة؟ وما أبرز الطموحات والإحصائيات التي طُرحت خلال فعالياتها؟ هذا ما سنتناوله تفصيليًا في المقال التالي.

قمة أبوظبي للمناخ تدفع بثورة التمويل المستدام الطريق نحو غدٍ أخضر واقتصاد جديد

خلفية القمة.. لماذا الآن؟

حرصت الإمارات على توقيت الانعقاد في منتصف عام 2025، ليأتي وسط تسارع عالمي في التغير المناخي. تتزامن القمة مع إطلاق مصرف الإمارات المركزي لأول منتدى من نوعه يمزج بين السياسات النقدية والتمويل المستدام، بالتزامن مع اجتماعات مجموعة “تخضير النظام المالي” (NGFS) .

وفق تقرير صدر عن مصرف الإمارات المركزي يوم الحدث ذاته، فإن هذا المنتدى مثّل “نقطة تحول” تضمنت الاستثمار المؤسسي وبناء القدرات الشاملة لضمان إدارة المخاطر المناخية بطريقة منهجية ومستدامة . كما أكد المسؤولون أنه يأتي تماشياً مع “رؤية الإمارات 2050″ لتحقيق الحياد المناخي، و”الأجندة الوطنية الخضراء 2030” التي تسعى لخفض انبعاثات الكربون بشكل جذري .

اقتصاديًا، ارتفع حجم التمويل المناخي على مستوى العالم إلى نحو 1.46 تريليون دولار في 2022 . وانعكس ذلك بوضوح خلال مناقشات المنتدى، والتي ركّزت على دمج أدوات تحليل المخاطر البيئية مع استراتيجيات السوق المحلي، وتحديث الأطر الرقابية لمواجهة التحديات الجديدة.

في هذا السياق، جاءت قمة أبوظبي للمناخ كخطوة استراتيجية لدفع عجلة الإجراء العملي بدلاً من الحوار وحده، ضمن إطار مالي منظم ومستدام.

 أبرز المشاركين والرعاة والمبادرات الجديدة

شهدت قمة أبوظبي للمناخ حضورًا رفيع المستوى من المسؤولين الحكوميين والخبراء، استمرارًا لدور الإمارات الرائد في قضايا المناخ:

  • سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب الرئيس ورئيس ديوان الرئاسة، أطلق الفعالية وبارك خطواتها نحو بناء نظام مالي قوي وأخضر .
  • خالد محمد بالعمى، محافظ مصرف الإمارات المركزي، أكد أهمية مرحلة التطبيق العملي للخطط المتعلقة بالتمويل المناخي وبناء القدرات المؤسسية .
  • الدكتورة آمنة الضحاك الشامسي، وزيرة التغير المناخي والبيئة، شددت على دمج سياسات المناخ ضمن الأجندة الوطنية لضمان نمو اقتصادي بهويّة بيئية .
  • عبد العزيز الغرير، رئيس اتحاد مصارف الإمارات، أعطى دفعة لتعزيز المبادرات المتعلقة بحوكمة البيئة والمجتمع والاستدامة (ESG) ضمن استراتيجيات البنوك الوطنية .
  • جيمس تالبوت، رئيس مجموعة السياسة النقدية في NGFS، ساهم في تقديم رؤى حول مزج السياسات النقدية مع الطموحات الخضراء المالية .

من بين المبادرات البارزة:

  • إعلان إطار التنظيم المناخي الجديد الخاص بالمصرف المركزي، والذي يدعم البنوك في إدماج تقييم المخاطر البيئية.
  • مشاورات حول التمويل الإسلامي الأخضر، كأداة مبتكرة للجمع بين الربحية والمبادئ الأخلاقية.
  • خطة مستهدفة لدعم البنية التحتية الخضراء، تتضمن أدوات تمويلية وتسهيلات بيئية، خاصة للمشاريع المتوسطة والصغيرة.

تمثل هذه المبادرات خطوة محورية نحو بناء اقتصاد مستدام قادر على مواجهة التحديات المناخية والاقتصادية المتلاحقة.

 مخرجات القمة: من الحوار إلى التنفيذ

ما إن اختتمت قمة أبوظبي للمناخ، حتى طفت إلى السطح نتائج ملموسة، تؤشر إلى بداية تطبيق قرارات عملية بدلاً من مجرد النقاشات؛ نوجزها أدناه:

  1. تطوير إطار جديد للمخاطر المناخية للبنوك والمؤسسات المالية
    • يتضمن تقييمًا سنويًا يشمل الاختبارات التحملية للمناخ، وخططًا استراتيجية لخفض الانبعاثات.
    • يساعد البنوك على تقليل الأصول المعرضة لمخاطر بيئية.
  2. دعم مشاريع التكيف وتمويلها بالاستدانة الخضراء
    • تشجيع إصدارات أدوات تمويل مثل السندات الخضراء والقروض المستدامة.
    • توفير حوافز ضريبية وقانونية للمؤسسات التي تعتمد معايير ESG.
  3. تحفيز شبكة تعاون دولية ضمن NGFS
    • متابعة تنفيذ النتائج بالتنسيق مع شبكات عالمية، خاصة NGFS ذات العضوية المؤثرة (114 بنكًا مركزيًا).
    • التزام بالإفصاح عن التقدم التقني في ملفات المناخ والتمويل.
  4. خطة عمل للإقليم العربي
    • وضع آلية للتبادل الإقليمي، تشمل تدريب وتبادل لخبرات المصارف في GCC والمنطقة العربية.
  5. إطلاق منصات لبناء القدرات وتمويل البحوث المناخية
    • إعداد برامج تدريبية بمشاركة ADGM وADFD وغيرها من الجهات الداعمة .

تُمثّل هذه المخرجات بداية طريق طويل نحو نظام مالي قادر على استيعاب المخاطر المناخية، كما يعزز جاهزيته الاقتصادية.

 الإحصائيات والتوجهات العالمية في التمويل المستدام

للفهم الكامل لتأثير قمة أبوظبي للمناخ، من الضروري عرض الاتجاهات العالمية في مجال التمويل المستدام:

  • في 2022، وصل حجم التمويل المناخي عالميًا إلى 1.46 تريليون دولار؛ وهو رقم قياسي حسب تقرير لقمة أبوظبي.
  • منذ COP28 في دبي (ديسمبر 2023)، التزمت دول بأكثر من 85 مليار دولار للصناديق المناخية، منها 30 مليار لصالح Altérra.
  • مثّل قطاع السندات الخضراء جزءًا مهمًا من التمويل المناخي، حيث جذبت Masdar وحدها مليار دولار في 2024.
  • توسع Gulf: بنوك مثل First Abu Dhabi Bank قررت توجيه أكثر من 500 مليار درهم (~136 مليار دولار) نحو التمويل المستدام بحلول 2030.
المؤشرالرقم أو الاتجاهالسنة
التمويل المناخي العالمي1.46 تريليون دولار2022
التزامات تمويل المناخ العالمية85 مليار دولارمنذ COP28
تمويل Masdar عبر السند الأخضر1 مليار دولار2024
التزام FAB للتمويل المستدام136 مليار دولارحتى 2030

تشير هذه الأرقام إلى أن قمة أبوظبي للمناخ تنطلق من بيئة متسارعة التمويل، وهي جزء من موجة عالمية تصب في صالح اقتصاد أخضر.

 التحديات التي تواجه مسار التمويل المستدام

رغم الحماسة الواسعة، فإن هناك تحديات جوهرية يجب معالجتها لتحقيق أهداف قمة أبوظبي للمناخ:

  1. تفاوت المعايير الإقليمية والدولية
    • رغم وجود NGFS، إلا أن تطبيق المعايير يخضع للعديد من التفاوتات بين بنوك الدول النامية والمتقدمة .
    • النظم القانونية والرقابية في بعض الدول تحتاج إلى تسريع التطوير لتسهيل ضخ الأموال الخضراء.
  2. نقص البيانات والمعلومات البيئية الدقيقة
    • المؤسسات لا تزال تواجه صعوبة في تقييم مخاطر المناخ، نتيجة لغياب بيانات موثوقة واختبارات تحمل شاملة.
  3. قيود تمويل المشاريع المتوسطة والصغيرة
    • بينما المشاريع الكبرى تستفيد من الدعم والتسهيلات، إلا أن المشاريع الصغرى غالبًا ما تواجه حواجز تنظيمية ومخاطر تمويلية.
  4. المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية
    • تقلبات أسعار النفط وتأثيرات التضخم الدولية ترفع من درجة الحذر لدى المستثمرين.
  5. الرغبة في التمويل الإسلامي الأخضر
    • تمثل فرصًا كبيرة، لكنها تحتاج إلى تنظيمات جديدة وتأكيدات شرعية لتعزيز الثقة والشفافية.
  6. الفجوة في القدرات المؤسسية
    • تحتاج البنوك إلى مسارات تدريبية قوية لتطوير كوادر متخصصة في التمويل الأخضر.

توحيد الجهود الإقليمية، وتطوير الإطار التشريعي وتوطين التكنولوجيا، سيُمكّن خليطًا من الحلول العملية على مستوى السياسات الوطنية والإقليمية.

 مستقبل التمويل المستدام في الإمارات ومنطقة الخليج

تنطلق الإمارات، بقيادة مصرفها المركزي، في استراتيجية واضحة لبناء منظومة مالية خضراء، ترتكز على:

  • تكامل العربية ضمن NGFS: دعم التعاون الرسمي بين الدول العربية، بما يساهم في بناء منهج موحد لإدارة المخاطر المناخية بنهاية 2026.
  • ابتكار منتجات استثمارية شرعية: ستشهد السنوات المقبلة إطلاق منتجات مالية قائمة على الشريعة مثل الصكوك الخضراء والصكوك الإسلامية.
  • تنمية القدرات المحلية: تكامل محلي بين مصرف الإمارات، ADGM، صندوق أبوظبي للتنمية، والمراكز البحثية لتنظيم برامج تدريبية شاملة على التمويل المناخي.
  • تسريع إصدار السندات الخضراء: في إطار توسع Masdar وEtihad Rail، المتوقع إصدار المزيد من الأدوات الخضراء حتى 2030.
  • تحفيز القطاع الخاص: سنشهد إنشاء شراكات بين القطاعين العام والخاص للاستثمار في الطاقة المتجددة وتقنيات التكيف المناخي.
  • تعزيز الشفافية والإفصاح: إلزام المؤسسات المالية بالإفصاح البيئي والمالي سنويًا، اعتمادًا على أطر دولية مثل TCFD وNGFS.
  • الجذب الاستثماري الأخضر: إعلان الإمارات عن حوافز لجذب الاستثمارات الخضراء، منها الإعفاءات الضريبية والحوافز العقارية للمشاريع المستدامة.

نحو عام 2030–2050، تنتظر الإمارات تحولًا جذريًا، حيث تتوقع تقليل الانبعاثات بنسبة تصل إلى 70% بحلول 2030، وبلوغ الحياد الكامل بحلول 2050. وهذا ما يعكسه نهج قمة أبوظبي للمناخ.


في النهاية

شكلت قمة أبوظبي للمناخ محطة فارقة في تاريخ الإمارات والمنطقة. ما انطلقت كحوار مؤسسي، حتى تحولت إلى خارطة طريق واقعية لخلق نظام مالي أخضر قادر على مواجهة تحديات المناخ. بالاعتماد على التمويل المستدام وتمكين البنوك من أدوات متطورة، والترابط الإقليمي والدولي، يظهر الطريق نحو تحقيق أهداف الحياد المناخي الوطني والعالمي.

إن استمرار التنفيذ والمتابعة، وخاصة ضمن إطار NGFS والتعاون مع القطاع الخاص، سيُجعل من قمة أبوظبي للمناخ نقطة انطلاق حقيقية نحو اقتصاد أخضر ومزدهر.

اقرأ ايضاً: طلبات إعانة البطالة في أمريكا تتراجع بشكل غير متوقع.. هل بدأ التعافي الحقيقي؟

كاتب

  • doaa-alhdad

    دعاء الحداد صحفية ومحررة في موقع الخليج لايف، متخصصة في تحرير الأخبار السعودية والخليجية بدقة واحترافية. تمتلك خبرة طويلة في الصحافة الإلكترونية، وعملت سابقًا في عدة منصات إعلامية مرموقة مثل أخبار العرب، عرب نيوز، ويلا جون. تهتم بتغطية التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في منطقة الخليج، وتتميز بتحرير موضوعي ومهني يعكس فهمًا عميقًا للمشهد الإخباري الخليجي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!