في ظل التوترات المتصاعدة في منطقة الشرق الأوسط، عاد الملف النووي الإيراني إلى صدارة المشهد السياسي والإعلامي بعد تصريحات وزير الخارجية الإيراني السابق عباس عراقجي، التي ألمح فيها إلى أن “المنشآت النووية الإيرانية” قد تكون تعرضت لأضرار جسيمة تعيق عملها بالكامل. في وقت تلتزم فيه طهران الصمت الرسمي بشأن التفاصيل الدقيقة، تتصاعد التساؤلات داخليًا وخارجيًا حول مستقبل “المنشآت النووية الإيرانية”، ومدى قدرة الجمهورية الإسلامية على إعادة تشغيلها أو تعويض خسائرها.
ما حجم الأضرار التي لحقت بالمنشآت النووية الإيرانية؟
تشير مصادر استخباراتية غربية إلى أن الهجمات التي نُفذت ضد “المنشآت النووية الإيرانية”، خصوصًا تلك الواقعة في فوردو ونطنز، تسببت في تدمير وحدات الطرد المركزي الحديثة من طراز IR-6، وهي وحدات كانت تمثل قفزة نوعية في تخصيب اليورانيوم. بعض التقارير كشفت أن ما يزيد عن 50% من قدرة هذه المنشآت قد تضررت، مع وجود تقديرات أخرى تشير إلى تدمير شبه كامل للبنية التحتية الكهربائية والتقنية في عدة مواقع حساسة.
ورغم أن طهران لم تصدر بيانات تفصيلية، فقد أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنها تلقت تقارير تفيد بحدوث “اختلالات تشغيلية”. الجدير بالذكر أن إعادة بناء هذه المنشآت قد تستغرق شهورًا أو حتى سنوات، خاصة في ظل استمرار العقوبات الغربية وصعوبة استيراد المعدات الحساسة.
السياق السياسي: هل الهجمات مرتبطة بتوقف المفاوضات النووية؟
الهجمات الأخيرة على “المنشآت النووية الإيرانية” تأتي في وقت حساس للغاية، إذ تشهد مفاوضات إحياء الاتفاق النووي مع القوى الكبرى جمودًا منذ أواخر عام 2023. وتتهم طهران إسرائيل والولايات المتحدة بالوقوف وراء هذه العمليات، معتبرة إياها محاولات لتعطيل برنامجها النووي ومنعها من الوصول إلى مرحلة “الاختراق النووي”.
من جهة أخرى، يرى محللون أن هذه الهجمات قد تكون رسالة مباشرة لإيران مفادها أن أي تقارب مع روسيا أو الصين لن يمر دون عواقب، خصوصًا بعد توقيع اتفاقيات تعاون نووي مع موسكو مؤخراً. هذه المعطيات تضع “المنشآت النووية الإيرانية” في قلب صراع جيوسياسي معقد يمتد من طهران إلى واشنطن وتل أبيب وبروكسل.
أقرًا أيضًا: هل هرب سامر المصري حقاً من التهديدات في سوريا؟
القدرات الفنية الإيرانية: هل تستطيع طهران إصلاح ما دُمر؟
رغم الحديث عن الأضرار الكبيرة، تؤكد طهران أن العلماء الإيرانيين يمتلكون القدرة على إصلاح أي دمار يلحق بـ “المنشآت النووية الإيرانية”. وتُعرف إيران بقدرتها على تطوير تقنياتها محليًا، في ظل الحظر التكنولوجي الغربي المفروض منذ سنوات.
لكن في ظل تسريبات عن تضرر أنظمة التحكم والبيئة النظيفة المطلوبة لتشغيل أجهزة الطرد المركزي، فإن المهمة قد تكون أصعب بكثير هذه المرة. حيث يتطلب الأمر إعادة تأهيل البيئة الداخلية للمفاعلات، وتوفير معدات دقيقة جدًا لا يمكن تصنيعها محليًا بسهولة، مما يُعقّد عملية الإصلاح.
موقف المجتمع الدولي من تطورات المنشآت النووية الإيرانية
تراقب الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا عن كثب تطورات “المنشآت النووية الإيرانية”، حيث أصدرت الدول الثلاث بيانًا مشتركًا طالبت فيه طهران بالكشف عن الأضرار التي لحقت بالمنشآت، والسماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بإجراء تفتيش عاجل.
في المقابل، دعت الصين وروسيا إلى ضبط النفس، مشيرين إلى أن أي تصعيد قد يؤدي إلى تفجير الأوضاع في المنطقة. ويُتوقع أن تُطرح القضية على طاولة مجلس الأمن قريبًا، وسط انقسام حاد في المواقف الدولية، مما يعكس عمق أزمة “المنشآت النووية الإيرانية”.
أقرًا أيضًا: لماذا لم تعد الصين مورد الهواتف الذكية الأمريكية؟
هل تُعد هذه أكبر ضربة تتلقاها المنشآت النووية الإيرانية؟
وفقًا لتحليل منشور في مركز كارنيغي للسلام الدولي، فإن الأضرار الأخيرة التي لحقت بـ “المنشآت النووية الإيرانية” تُعد الأكبر منذ عملية “ستوكسنت” السيبرانية التي ضربت منشأة نطنز عام 2010. بينما تلك الهجمة الإلكترونية سببت تعطيلًا مؤقتًا، فإن الضربات الأخيرة تشير إلى أضرار مادية وهيكلية كبيرة، تتطلب وقتًا طويلاً للإصلاح.
ويظهر من مراجعة بيانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران قلصت خلال الشهور الماضية من حجم إنتاجها لليورانيوم المخصب، ربما نتيجة لتلك الأضرار، مما يعزز من صحة الروايات التي تؤكد حجم الضربة.
سيناريوهات المستقبل: إلى أين تتجه إيران بعد تضرر منشآتها النووية؟
أمام طهران الآن مسارات محدودة: إما التصعيد والرد عسكريًا، أو التهدئة والدخول في مفاوضات شاملة مع القوى الكبرى. إلا أن المسار الأول يحمل مخاطرة اندلاع صراع شامل في الخليج، بينما المسار الثاني يتطلب تنازلات صعبة قد لا يقبل بها صقور النظام الإيراني.
بعض الخبراء يرون أن إيران قد تتجه إلى تكثيف التعاون مع روسيا والصين لتسريع إصلاح “المنشآت النووية الإيرانية”، بعيدًا عن الرقابة الدولية، ما قد يُشعل موجة جديدة من العقوبات.
جدول مقارنة بين أبرز الضربات التي استهدفت المنشآت النووية الإيرانية
| السنة | نوع الهجوم | الموقع المستهدف | التأثير |
|---|---|---|---|
| 2010 | هجوم إلكتروني (ستوكسنت) | نطنز | تعطيل أجهزة الطرد المركزي |
| 2020 | انفجار داخلي | نطنز | دمار واسع في المنشأة |
| 2024 | ضربات جوية دقيقة | فوردو ونطنز | أضرار جسيمة بالبنية التحتية |
في النهاية
تصريحات عراقجي الأخيرة لم تكن مجرد اعتراف بعجز تقني مؤقت، بل قد تكون مؤشرًا على تحوّل جذري في معادلة الردع النووي الإيرانية. ومع استمرار الغموض حول مدى جاهزية “المنشآت النووية الإيرانية”، يظل العالم يترقب ما ستفعله طهران: هل تعود إلى طاولة المفاوضات؟ أم تسلك طريق التصعيد العسكري؟ الإجابة لا تزال معلقة في أروقة القرار بطهران، وفي عيون العالم المُتربصة.
أقرًا أيضًا: هل ينجح اتفاق الرسوم الجمركية مع أمريكا قبل الموعد؟ فرنسا تعلّق بثقة

