هل بدأت أوروبا بمواجهة المتطرفين؟ سلوفينيا تحظر دخول بن غفير وسموتريتش
في خطوة وصفت بالأكثر جرأة داخل الاتحاد الأوروبي، أعلنت سلوفينيا حظر دخول الوزيرين الإسرائيليين إيتمار بن غفير وبِتسلئيل سموتريتش إلى أراضيها، ووصفتهم بـ”أشخاص غير مرغوب فيهم” بسبب ما اعتبرته تحريضًا على العنف وانتهاكًا للقانون الدولي. القرار الذي اتخذته وزيرة الخارجية تانيا فايون لم يكن فقط تصعيدًا دبلوماسيًا، بل رسالة قوية من سلوفينيا تجاه سياسات إسرائيل المتطرفة. فهل يمثل هذا القرار تحولًا جذريًا في السياسة الأوروبية تجاه المسؤولين الإسرائيليين؟ وهل يمكن أن يكون بداية سلسلة مواقف مشابهة من دول أوروبية أخرى؟ هذا ما سنحلله تفصيليًا في هذا المقال.
خلفية القرار السلوفيني متى ولماذا؟
اتخذت الحكومة السلوفينية القرار بعد اجتماع وزاري في يوليو 2025، على خلفية تصريحات بن غفير وسموتريتش التي وُصفت بأنها تشجع على “التطهير العرقي” في قطاع غزة والضفة الغربية. ويأتي القرار بعد فشل الاتحاد الأوروبي في التوافق على موقف موحد تجاه الانتهاكات الإسرائيلية.
أشارت تانيا فايون في مؤتمر صحفي أن القرار جاء للضغط على إسرائيل، خصوصًا بعد تصعيدها العسكري المستمر في غزة، وأضافت:
“لا يمكننا الصمت إزاء الدعوات للتحريض والعنف، يجب أن نبعث برسالة واضحة”.
تُعد سلوفينيا من الدول القليلة التي اعترفت رسميًا بدولة فلسطين في يونيو 2024، مما يعكس سياستها المؤيدة للحقوق الفلسطينية.
من هما بن غفير وسموتريتش؟ ولماذا استهدفتهما سلوفينيا؟
إيتمار بن غفير هو وزير الأمن القومي الإسرائيلي، ينتمي لحزب “القوة اليهودية” المعروف بمواقفه اليمينية المتطرفة، وهو من أبرز الداعمين للاستيطان وتشديد القيود في القدس الشرقية.
أما بِتسلئيل سموتريتش، فهو وزير المالية وزعيم حزب “الصهيونية الدينية”، وهو معروف بتصريحاته العنصرية ضد الفلسطينيين، ومنها وصفه الشهير بأن “الضفة الغربية جزء من إسرائيل الكبرى”.
كلاهما يُعتبران رمزين للتيار المتطرف في حكومة بنيامين نتنياهو، وغالبًا ما يثيران الجدل في الداخل الإسرائيلي وخارجه بسبب مواقفهما العدائية تجاه الفلسطينيين، ومطالباتهما بفرض سيادة إسرائيلية كاملة على الضفة الغربية.
سلوفينيا اختارتهما بالتحديد لأنهما الأكثر تحريضًا، وكانت تصريحاتهما الأخيرة عن “محو غزة” القشة التي قصمت ظهر البعير.
اقرأ أيضًا: كيف حققت أرباح رأس الخيمة للتأمين 24 مليون درهم في 6 أشهر فقط؟
تداعيات القرار داخل إسرائيل وردود الفعل الدولية
حتى لحظة إعداد هذا المقال، لم تُصدر الحكومة الإسرائيلية ردًا رسميًا على القرار، لكن مصادر إعلامية قريبة من حزب الليكود وصفته بـ”العدائي والخطير”.
وسائل إعلام مثل The Jerusalem Post وHaaretz أشارت إلى أن القرار قد يُستخدم كورقة سياسية داخل الكنيست، حيث سيحاول نتنياهو استغلاله لحشد اليمين ضد “عداء أوروبا لإسرائيل”.
على الجانب الآخر، رحبت منظمات أوروبية عديدة بالقرار، مثل شبكة التضامن السلوفينية–الفلسطينية التي قالت إنه:
“خطوة أخلاقية طال انتظارها، تُظهر أن صوت حقوق الإنسان لا يزال له صدى في أوروبا”.
أما على مستوى الاتحاد الأوروبي، فلم يصدر قرار جماعي مماثل، لكن هناك تحركات داخل البرلمان الأوروبي لاقتراح إجراءات عقابية ضد أفراد من الحكومة الإسرائيلية.
من دولة صغيرة إلى لاعب سياسي جريء
منذ انضمامها للاتحاد الأوروبي في عام 2004، لم تكن سلوفينيا من الدول ذات التأثير الكبير في السياسة الخارجية، لكنها خلال السنوات الأخيرة بدأت تتخذ مواقف أكثر استقلالية، خصوصًا في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
وقد لعبت دورًا محوريًا في دعم قرارات أممية ضد الاستيطان، واعترفت رسميًا بدولة فلسطين إلى جانب إيرلندا وإسبانيا والنرويج.
وتسعى سلوفينيا إلى تصدير نموذج دبلوماسي قائم على الحقوق والقانون الدولي، متخذة موقفًا أقرب إلى دول مثل بلجيكا والسويد، وأبعد عن موقف ألمانيا أو المجر المواليتين لإسرائيل.
ويقول المحلل السياسي السلوفيني مارك كوريتش:
“قرار الحظر قد لا يكون له تأثير مباشر على بن غفير وسموتريتش، لكنه خطوة رمزية قد تُلهم دولًا أخرى في أوروبا”.
هل تتبع دول أوروبية أخرى نفس النهج؟
رغم أن قرار سلوفينيا هو الأول من نوعه في الاتحاد الأوروبي، إلا أنه يُمكن أن يشكل سابقة تدفع دولًا أخرى لتقييد دخول شخصيات إسرائيلية متطرفة.
حسب تحليل European Council on Foreign Relations، فإن هناك توجهًا داخل دول مثل إيرلندا والبرتغال لإعادة تقييم علاقاتها الدبلوماسية مع الوزراء اليمينيين المتشددين في حكومة إسرائيل.
حتى في فرنسا، التي تحتفظ تقليديًا بعلاقات متوازنة، بدأت أحزاب يسارية تطالب بمحاسبة قادة إسرائيل على انتهاكات حقوق الإنسان.
جدول: مقارنة مواقف الدول الأوروبية من بن غفير وسموتريتش
الدولة | الاعتراف بفلسطين | موقف من الوزراء المتطرفين | مستوى العلاقة مع إسرائيل |
---|---|---|---|
سلوفينيا | ✅ | حظر رسمي | منخفض |
إيرلندا | ✅ | ضغط دبلوماسي | متوسط |
ألمانيا | ❌ | دعم غير مشروط | مرتفع |
إسبانيا | ✅ | انتقاد علني | متوسط |
من الناحية القانونية، يحق لأي دولة ذات سيادة أن ترفض دخول أفراد تراهم خطرًا على أمنها أو على النظام العام. وقد استندت سلوفينيا إلى المادة 23 من اتفاقية شينغن، التي تتيح للدول استثناء دخول أشخاص لأسباب متعلقة بالسياسة الخارجية أو الأمن.
لكن القرار قد يفتح الباب أمام توتر دبلوماسي بين إسرائيل وسلوفينيا، وربما يُؤثر على علاقاتهما التجارية، خصوصًا في مجالات التكنولوجيا والزراعة.
ورغم أن بن غفير وسموتريتش لا يزوران أوروبا كثيرًا، إلا أن منع دخولهما يبعث برسالة شديدة اللهجة، ليس فقط لإسرائيل، بل لكل من يدعم سياسات تقوم على العنف أو الفصل العنصري.
في النهاية
قرار سلوفينيا بحظر دخول بن غفير وسموتريتش يعكس تغيرًا تدريجيًا في مواقف بعض الدول الأوروبية من الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، ويطرح تساؤلات حول مستقبل العلاقات الدبلوماسية بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل.
هل ستكون هذه الخطوة بداية سلسلة من العقوبات الرمزية على مسؤولي الاحتلال؟ أم أنها ستبقى مجرد موقف فردي لا يتبعه فعل جماعي؟
ما هو واضح حتى الآن، أن ممارسات بن غفير وسموتريتش لم تعد تمر مرور الكرام، وأن الصوت الأوروبي بدأ يرتفع – ولو جزئيًا – لصالح العدالة والحقوق.
اقرأ أيضاً: بيع أغلى نيزك من المريخ في التاريخ بـ 5.3 ملايين دولار يذهل العالم