إلى أي مدى يقترب انسحاب إيران من معاهدة انتشار الأسلحة النووية؟
يطرح السؤال الأبرز، إلى أي مدى يقترب انسحاب إيران من معاهدة انتشار الأسلحة النووية؟ في يوليو 2025، تجدد الجدل الدولي بشأن مستقبل برنامج إيران النووي بعد تهديدات مباشرة من مسؤولين إيرانيين بانسحاب بلادهم من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. هذه التهديدات جاءت في وقت يشهد فيه الملف النووي الإيراني تصاعدًا جديدًا بعد تحذيرات أوروبية بإعادة فرض العقوبات من خلال آلية الزناد. وفي ظل هذه التطورات، يطفو على السطح تساؤل رئيسي: إلى أي مدى أصبحت إيران قريبة فعليًا من الانسحاب من المعاهدة؟ وكيف سينعكس ذلك على التوازن الإقليمي والدولي؟
السياق السياسي والدبلوماسي للتهديد الإيراني
جاءت التهديدات الإيرانية الأخيرة كرد مباشر على تصاعد الضغوط الغربية، حيث أعلن المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني أن انسحاب إيران من معاهدة انتشار الأسلحة النووية لم يعد خيارًا مستبعدًا. وأوضح أن بلاده قد تتجه كذلك إلى رفع مستوى تخصيب اليورانيوم لأكثر من 60%، مع توسيع برامج إنتاج أجهزة الطرد المركزي.
وتزامن هذا التصعيد مع إعلان الترويكا الأوروبية (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا) نيتها إعادة تفعيل آلية “سناب باك” التي قد تؤدي إلى استئناف شامل للعقوبات الأممية. وفي المقابل، ترى إيران أن هذه التحركات تفتقر للشرعية القانونية، وتؤكد أنها لن تقبل بمزيد من الضغوط تحت مبررات لا تستند إلى أدلة فنية من الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
التطورات التقنية والتخصيب فوق 60 في المئة
من الناحية التقنية، شهدت الأشهر الأخيرة تطورًا في مستوى تخصيب اليورانيوم داخل المنشآت الإيرانية، حيث تشير تقارير دولية إلى أن إيران أصبحت تمتلك مخزونًا متزايدًا من اليورانيوم المخصب بنسبة تفوق 60%، وهو ما يقترب من العتبة التقنية اللازمة لصناعة سلاح نووي.
إيران تبرر هذه الخطوات بأنها إجراءات دفاعية وتدخل ضمن إطار الرد على التعنت الأوروبي والأمريكي، بينما يرى مراقبون أن هذه التحركات تسير في اتجاه تصعيد استراتيجي يهدف إلى رفع سقف التفاوض من جديد، خصوصًا مع اقتراب استحقاقات مجلس الأمن في أكتوبر المقبل، حيث ينتهي التفويض المرتبط بالاتفاق النووي لعام 2015.
انسحاب إيران من المعاهدة وتداعياته على النظام الدولي
يشكل انسحاب إيران من معاهدة انتشار الأسلحة النووية تهديدًا مباشرًا للمنظومة الدولية التي بُنيت خلال العقود الماضية للحد من انتشار السلاح النووي. فمثل هذه الخطوة ستكون الأولى من نوعها منذ عقود، وتفتح الباب أمام دول أخرى للتشكيك في التزاماتها.
سيؤدي الانسحاب إلى انقطاع رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وفقدان الشفافية بشأن الأنشطة النووية الإيرانية. هذا الغموض يثير مخاوف عالمية من سباق تسلح إقليمي، لاسيما في منطقة الشرق الأوسط، التي تعاني أصلًا من هشاشة أمنية وتوترات سياسية مزمنة.
السيناريوهات المحتملة بعد التصعيد الإيراني
يمكن توقع عدد من السيناريوهات بناءً على الوضع الحالي:
- سيناريو التصعيد الكامل: يشمل انسحابًا رسميًا من المعاهدة، وزيادة مستوى التخصيب إلى مستويات تصنيع السلاح النووي، مع توقف تام عن التعاون مع الوكالة الدولية.
- سيناريو التهدئة المشروطة: ويعتمد على تدخلات دبلوماسية من أطراف دولية مثل روسيا أو الصين لإقناع طهران بتجميد التصعيد مقابل مكاسب سياسية أو اقتصادية.
- الاستمرار في الغموض الاستراتيجي: تواصل إيران التهديد دون اتخاذ قرار حاسم، مستفيدة من ورقة الضغط في أي مفاوضات مستقبلية.
- تفعيل العقوبات الأممية: في حال تم تفعيل آلية الزناد من قبل أوروبا، سيعود المجتمع الدولي إلى فرض عقوبات شاملة مشابهة لما قبل الاتفاق النووي.
كل هذه السيناريوهات تحمل في طياتها تداعيات اقتصادية وعسكرية قد تؤثر على استقرار المنطقة لعقود قادمة.
ردود الفعل الدولية والإقليمية المحتملة
ردود الفعل العالمية تجاه احتمال انسحاب إيران من معاهدة انتشار الأسلحة النووية تتباين حسب المصالح الجيوسياسية. الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، تنظر إلى الأمر باعتباره تهديدًا حقيقيًا، بينما تدعو روسيا والصين إلى ضبط النفس والتفاوض بدلاً من التصعيد.
إقليميًا، تعرب دول الخليج عن قلقها من الخطوات الإيرانية، وتدعو إلى إنشاء إطار أمني مشترك لاحتواء التداعيات. كما تبرز احتمالية أن يشهد الشرق الأوسط سباق تسلح غير مسبوق، إذا لم يتم احتواء الأزمة عبر حلول سياسية عاجلة.
الفرص الدبلوماسية المتبقية ومستقبل الاتفاق النووي
على الرغم من التصعيد، لا تزال بعض الدول الأطراف في الاتفاق النووي، مثل الصين وروسيا، تؤمن بضرورة إبقاء إيران ضمن الإطار القانوني الدولي. وتشير تقارير إلى وجود وساطات غير معلنة تهدف إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، أو على الأقل التوصل إلى تفاهمات مرحلية تُبقي الأبواب مفتوحة للحوار.
المبادرة الأوروبية بالعودة إلى المسار الدبلوماسي تشير إلى أن هناك نافذة أمل ضيقة قد تستغلها طهران لتجنب الانهيار الكامل للاتفاق، لا سيما أن الاقتصاد الإيراني يواجه تحديات داخلية كبرى قد لا يصمد أمام جولة جديدة من العقوبات.
خاتمة
يبقى انسحاب إيران من معاهدة انتشار الأسلحة النووية تطورًا خطيرًا قد يغيّر قواعد اللعبة في العلاقات الدولية والأمن النووي العالمي. وبينما لا يزال القرار الفعلي معلّقًا، فإن التهديد الإيراني يشكل أداة ضغط كبرى على المجتمع الدولي. والمطلوب اليوم هو تحرك فاعل من كافة الأطراف المعنية لإيجاد مخرج دبلوماسي يجنب العالم مرحلة جديدة من الانفجار النووي السياسي والاستراتيجي.
اقرأ ايضا: هلتسوية الحرب الأوكرانية مستحيلة؟