ازدواجية المعايير بين أحداث 11 سبتمبر وحرب غزة.. من مكافحة الإرهاب إلى تبرير العدوان
ازدواجية المعايير في السياسة الدولية ليست مجرد توصيف أدبي بل حقيقة ملموسة في القرارات والتحركات العالمية، عندما ننظر إلى ما جرى بعد أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة، ثم نقارن ذلك بما يحدث في الحرب الإسرائيلية في غزة اليوم، نجد أن معيار العدالة واحد لكن تطبيقه يختلف بشكل فج، هذا التناقض هو ما يجعل عبارة ازدواجية المعايير بين أحداث 11 سبتمبر وحروب غزة من مكافحة الإرهاب إلى تبرير العدوان تعبيرًا صادقًا عن الواقع.
أحداث 11 سبتمبر والتحول الجذري في السياسات الدولية
وقعت أحداث 11 سبتمبر عام 2001 وأدت إلى سقوط نحو ثلاثة آلاف ضحية، وهو ما فتح الباب أمام الولايات المتحدة لتبني سياسات جديدة تحت عنوان مكافحة الإرهاب.
هذه الأحداث منحت الإدارة الأمريكية مبررًا لإطلاق حروب واسعة في أفغانستان ثم العراق، وتوسيع صلاحيات الأجهزة الأمنية والاستخباراتية داخليًا وخارجيًا، ما جرى لم يكن مجرد رد على هجوم بل تحول إلى استراتيجية طويلة المدى أثرت على السياسة العالمية بأكملها.
حرب العراق كمثال على استغلال مكافحة الإرهاب في شن العدوان
بعد أقل من عامين على أحداث 11 سبتمبر قامت الولايات المتحدة بغزو العراق عام 2003 بحجة امتلاك أسلحة دمار شامل، تبين لاحقًا أن هذه المزاعم كاذبة، لكن الغزو أدى إلى مقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين وتدمير بنية العراق التحتية.
هنا تتجلى ازدواجية المعايير بوضوح حيث تم استخدام شعار مكافحة الإرهاب لتبرير عدوان واضح على دولة لم تكن مسؤولة عن الهجمات، هذه الحرب بقيت وصمة في تاريخ النظام الدولي وأظهرت كيف يتم توظيف الأمن القومي كغطاء لتحقيق أهداف استراتيجية.
حرب غزة بين التبرير الأمني والواقع الإنساني
في المقابل، نشهد في غزة عمليات عسكرية متكررة تُبرر بأنها دفاع عن النفس، لكن نتائجها تُظهر عكس ذلك، المدنيون هم الضحايا الأكبر، حيث تصل نسبتهم إلى أكثر من 80 في المئة من إجمالي القتلى.
البنية التحتية من مستشفيات ومدارس ومنازل تتعرض للقصف المستمر ولازال ذاك المختل يدرس خطة لاحتلال غزة، في حين يكتفي المجتمع الدولي ببيانات شجب لا تتبعها إجراءات فعلية، هكذا نرى أن ما اعتُبر إرهابًا في نيويورك يُعتبر ردًا مشروعًا في غزة، وهذه هي جوهر ازدواجية المعايير بين أحداث 11 سبتمبر وحروب غزة من مكافحة الإرهاب إلى تبرير العدوان.
الإعلام العالمي بين أحداث 11 سبتمبر وحرب غزة
وسائل الإعلام الغربية لعبت دورًا رئيسيًا في ترسيخ الصور الذهنية المختلفة، بعد أحداث 11 سبتمبر كان هناك تضخيم متواصل للهجوم وتصويره كتهديد وجودي، بينما تم تبرير الحروب اللاحقة باعتبارها دفاعًا عن الحرية
في حالة غزة، وإن تغيرت بعض سياسات الإعلامية الآن ولكننا شهدنا موجة هجوم ضخمة عند وقوع أحداث السابع من أكتوبر حيث تم التركيز على روايات عسكرية تبناها الاحتلال الإسرائيلي ويتم جاهل الأبعاد الإنسانية التغطية الانتقائية تؤكد أن المعايير ليست واحدة بل تُحددها المصالح السياسية والاقتصادية.
القانون الدولي والعدالة الانتقائية بين العراق وغزة
الميثاق الأممي ينص على حماية المدنيين ورفض العدوان، لكن الواقع مختلف، في العراق لم يمنع القانون الدولي الغزو الأمريكي رغم وضوح مخالفته، وفي غزة لم تنجح الأمم المتحدة في فرض عقوبات أو إيقاف الاعتداءات.
القانون يُستخدم بقوة ضد دول ضعيفة أو جماعات مسلحة، لكنه يتعطل إذا كان الطرف المعتدي دولة كبرى أو حليفًا استراتيجيًا، العدالة هنا تصبح انتقائية، وهو ما يرسخ فكرة ازدواجية المعايير بين أحداث 11 سبتمبر وحروب غزة من مكافحة الإرهاب إلى تبرير العدوان.
الآثار الإنسانية الطويلة المدى
الآثار المباشرة للحروب تتجلى في القتلى والجرحى، لكن هناك آثارًا بعيدة المدى، في العراق، الفوضى التي أعقبت الغزو أنتجت تنظيمات متطرفة جديدة وأضعفت الدولة لعقود.
في غزة، الحصار المتواصل والدمار الهائل يخلق أزمة إنسانية عميقة تشمل نقص الغذاء والدواء والتعليم/ هذه الأزمات لا يمكن النظر إليها بمعزل عن السياسات الدولية التي تبرر العدوان وتغض الطرف عن نتائجه الكارثية على المدنيين.
جدول مقارن بين أحداث 11 سبتمبر وحرب العراق وحرب غزة
العنصر | أحداث 11 سبتمبر | حرب العراق | حرب غزة |
---|---|---|---|
المبرر المعلن | مكافحة الإرهاب | أسلحة دمار شامل (مزاعم) | الدفاع عن النفس |
الفاعل | تنظيم القاعدة | الولايات المتحدة وحلفاؤها | الجيش الإسرائيلي |
عدد الضحايا المدنيين | 3000 تقريبًا في يوم واحد | مئات الآلاف خلال الغزو وما بعده | عشرات الآلاف أغلبهم مدنيون |
الأثر السياسي | إطلاق الحرب على الإرهاب | إسقاط نظام وتدمير دولة | تكريس الحصار والانقسام |
الموقف الدولي | تعاطف ودعم شامل لأمريكا | انتقادات بعد انكشاف الكذب | بيانات إدانة بلا عقوبات فعلية |
ما بين أحداث 11 سبتمبر وما تلاها من حروب مثل غزو العراق، وما يجري في غزة اليوم، يتضح أن العدالة الدولية تخضع لمعادلة المصالح لا القيم، إذا كان الإرهاب مدانًا في مكان، فلا يمكن تبرير قتل المدنيين في مكان آخر، من هنا تبرز الحاجة إلى نظام عالمي يضع معايير ثابتة لا تتغير بتغير الأطراف، العدالة الحقيقية لا تعرف ازدواجية، ومكافحة الإرهاب لا يجب أن تتحول إلى غطاء لارتكاب العدوان.
اقرأ أيضًا: خيارات نتنياهو بشأن حرب غزة تفتح فصلاً جديدًا… تعرف على السيناريوهات الثلاثة الحاسمة