دماء غزة تكتب التاريخ: اعتراف العالم بدولة فلسطين

يبدو أنّ إسرائيل قد شطبت من مناهجها الفيزيائية قانون نيوتن الثالث القائل: “لكل فعل رد فعل مساوٍ له في القوة ومعاكس له في الاتجاه”. فهي تمارس الإزاحة بالنار لاقتلاع أهل غزة من جذورهم، وتسعى جاهدة للاستيلاء على الأرض الفلسطينية زورًا وبهتانًا، فإذا بها تتلقى الرد القوي من أعتى دول العالم: فلسطين هنا، وهذه حدودها. للأسف، لقد كانت حرب غزة هي المفتاح لتحريك الرأي العالمي والضغط على المجتمع الدولي للاعتراف بالحقوق الفلسطينية، وهو ما تجسد لاحقًا في الاعتراف المتزايد بدولة فلسطين.

تحول دولي تاريخي: اعتراف عدة دول كبرى بفلسطين

في رد فعل دولي مباشر على أخبار فلسطين ضمن تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية على غزة، شهدت الساحة الدولية تحولًا تاريخيًا. فقد أصدرت السعودية وفرنسا بيانًا مشتركًا بشأن مؤتمر “حل الدولتين” في الأمم المتحدة بنيويورك، مؤكدين على اعتماد “إعلان نيويورك” الذي حصل على تأييد استثنائي من الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية 142 صوتًا. وقد أكد الإعلان الالتزام بحل الدولتين وفتح الطريق لبناء مستقبل فلسطيني وإسرائيلي يسوده السلام والأمن.

أبرز ما ميز هذه التطورات هو الاعتراف الرسمي من عدة دول كبرى بدولة فلسطين، بما في ذلك فرنسا، المملكة المتحدة، كندا، أستراليا، البرتغال، بلجيكا، لوكسمبورغ، مالطا، الدنمارك، أندورا، موناكو، وسان مارينو. يكتسب هذا الاعتراف أهمية خاصة لأن بعض هذه الدول، مثل فرنسا والمملكة المتحدة وكندا، هي أعضاء دائمون في مجلس الأمن الدولي، مما يمنح الدعم الفلسطيني وزنًا دوليًا أكبر ويضع ضغوطًا على الحكومة الإسرائيلية للامتثال للقوانين الدولية.

  رئيس الوزراء الإسباني يطالب: على أوروبا تعليق فوراً اتفاقية الشراكة مع إسرائيل

غزة تكتب التاريخ

صدمة إسرائيلية حقيقية

لقد كانت ردود الفعل الإسرائيلية صادمة وغير متوقعة، إذ وصف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية بأنه “لن يحدث” وأن إسرائيل ستواصل بناء المستوطنات في الضفة الغربية، مؤكدًا أن معركة دبلوماسية ستخوضها بلاده في الأمم المتحدة لمنع إقامة دولة فلسطينية. هذا الموقف يكشف مدى صدمة إسرائيل من الدعم الدولي المتنامي لفلسطين، ويشير أيضًا إلى العزلة المتزايدة لإسرائيل على الساحة الدولية، واعتمادها على أسلوب المجاكرة كوسيلة للرد على الضغوط الدولية.

مفتاح الحرية الفلسطينية: دماء اهل غزة

لا يمكن فهم الاعتراف الدولي بفلسطين دون العودة إلى جذور الأزمة، حيث كانت حرب غزة الظالمة على المدنيين الفلسطينيين الدافع الأساسي الذي أجبر العالم على التحرك. فقد دفع القمع الوحشي وانتهاكات حقوق الإنسان المجتمع الدولي إلى تجاوز الأقوال إلى أفعال، بدءًا من الاعتراف بدولة فلسطين مرورًا بتقديم الدعم الإنساني وتعزيز الحوكمة الفلسطينية.

وأدركت القوى الكبرى أن استمرار الحرب لا يؤدي إلا إلى دوامة العنف، وأن الحل السياسي هو السبيل الوحيد لإرساء السلام. إذ قدم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اعتراف بلاده رسميًا بدولة فلسطين، مؤكدًا أن هذا الاعتراف ليس معاداة للسامية، بل هو الطريق الوحيد لتحقيق سلام مستدام، وإنهاء دوامة الحرب والدمار التي يعيشها الفلسطينيون.

خطوات عملية لدعم الدولة الفلسطينية

تضمن المؤتمر الدولي مجموعة من الإجراءات العملية لدعم إقامة دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة، أبرزها:

  • تعزيز السلطة الفلسطينية ووحدة الضفة وغزة تحت مظلتها.
  • دعم قوات الشرطة والأمن الفلسطينية بالتعاون مع بعثات دولية مثل بعثة الشرطة الأوروبية وبعثة منسق الأمن الأميركي.
  • إطلاق التحالف الطارئ لدعم فلسطين لتمويل موازنة السلطة الفلسطينية ومراجعة بروتوكول باريس الاقتصادي.
  • الالتزام بوقف دائم لإطلاق النار والإفراج عن جميع الرهائن وإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة.
  صراخ خلف الكواليس مسؤولون إسرائيليون سابقون يستغيثون بترامب لإنقاذ ما تبقى

مع اعترافات الدول الرسمية في الايام الاخيرة من دول كبرى مثل بريطانيا وكندا وأستراليا وفرنسا بدولة فلسطين، فإن هذا يمثل تحولًا تاريخيًا في المزاج السياسي الدولي تجاه القضية الفلسطينية ويزيد من الضغط على إسرائيل للتراجع عن سياساتها الأحادية.

ردود الفعل الدولية والإقليمية

إلى جانب الاعترافات، وجهت أوروبا تحذيرات شديدة لإسرائيل بعدم الرد على هذه الاعترافات بإجراءات انتقامية أو تصعيدات ميدانية، معتبرة أن الاعتراف الدولي ليس مكافأة للإرهاب بل خارطة طريق سياسية لتحقيق السلام في المنطقة. بينما أكدت الصين أن الأمن الإسرائيلي لا يتحقق إلا عبر إقامة دولة فلسطينية، داعية إلى وقف شامل لإطلاق النار وتخفيف المعاناة الإنسانية في غزة.

اخيرا وليس اخرا

يبقى الفلسطينيون في غزة يواجهون نزيفًا مستمرًا، إذ لم تتوقف المعاناة حتى اليوم. على الرغم من الخطوات التاريخية نحو الاعتراف بدولة فلسطين، فإن المدنيين ما زالوا يدفعون ثمنًا باهظًا للحرب، ويظل تحقيق السلام والاستقرار الدائم مسؤولية جماعية للمجتمع الدولي. يبقى الأمل أن تتحول هذه الاعترافات الدولية إلى واقع ملموس ينهي نزيف غزة ويؤسس لمستقبل آمن ومستقر للفلسطينيين جميعًا.

كاتب

  • Ahmed Mahmoud

    أحمد محمود رائد أعمال رقمي واستراتيجي في التسويق الإلكتروني، يركز على تقديم محتوى تعليمي يحقق نتائج فعلية. يتمتع بخبرة تمتد لسنوات في تداول الفوركس، التسويق بالعمولة، ريادة الأعمال، والتدريب عبر الإنترنت، ويهدف إلى تمكين القراء بالمعرفة العملية التي تساعدهم على تنمية دخلهم الرقمي وبناء مشاريع مستدامة عبر الإنترنت. يسعى أحمد إلى تبسيط طريق النجاح الرقمي من خلال رؤى صادقة وذات قيمة.